بعدهما، غير أنا نلاحظ أن هؤلاء المؤرخين اللاحقين، مثل الطبرى، يبدءون بما رواه ابن هشام ويثنون بما رواه ابن سعد، على الرغم من تغليط ابن سعد للرواية الأولي، كما نجد منهم من يشكك فيها مثل الزرقانى فى كتابه "شرح المواهب ١: ١٠٣" حيث يقول بعد أن ساق الرواية الأولي، أى رواية ابن هشام:"وقيل كانت فى حجر عمها وهيب، وهو المزوج لها. قاله ابن إسحاق فى رواية".
ويأبى كاتب المادة إلا أن يجعل من هذه الأيام الثلاثة التى أقامها عبد الله مع أسرة زوجته حين بنى بها إقامة دائمة، وما يعنينا أكانت هذه أم كانت غيرها، ولكن الذى يعنينا هو التأريخ الحق. يقول ابن سعد:"لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أقام عندها ثلاثا. وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته فى أهلها"(الطبقات، ج ١، ص ٩٥ طبعة بيروت).
ثم يأبى كاتب المادة إلا أن يغفل رعاية جد محمد له، وما كان عبد المطلب بعيدا عن حفيده، يقول ابن هشام:"وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب ابن هاشم فى كلاءة الله وحفظه".
وأغرب من هذين تشكك كاتب المادة فى زيارة آمنة لأخوال أبى محمد بالمدينة، إد كانت أم عبد المطلب هى سلمى بنت عمرو النجارية. ومن قبل أن تنزل بهم آمنة بابنها محمد نزل بهم عبد الله أبو محمد، وأقام عندهم مريضا مدة، ومات بين أيديهم، ودفن مى دار التابع، من بنى عدى بن النجار. فهل يعد غريبا بعد هذا أن تصحب الأم الوفية لزوجها ابنها لتزيره قبر أبيه؟
يقول ابن سعد (الطبقات ج ١، ص ١١٦ - ١١٧): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بنى عدى بن النجار -يعنى أخوال جده- بالمدينة تزورهم به: فأقامت عندهم شهرا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت فى مقامه ذلك: لما نظر إلى أطم بنى عدى بن النجار عرفه وقال: كنت ألاعب أنيسة، جارية من الأنصار، على هذا