خلافا لهذا الذى أجيز فى أول الأمر، أنه لابد من الشهادة العادية، وهى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وهذه النقط الخلافية التى تتجلى فى الأحاديث ظلت نقطة من النقط الخلافية عند أوائل الفقهاء، وقد ذكر الشوكانى فى كتابه نيل الأوطار (ط. القاهرة ١٣٤٦ هـ، جـ ٦، ص ٢٦٩ وما بعدها) آراء كبار الفقهاء .. أما أهم نقطة خلافية ظهرت فى هذه الفترة الثانية، وهى نقطة تكاد الأحاديث لا تتناولها، فهى مسألة المدة التى فى أثنائها ينشأ عند الطفل نسب الرضاعة، فنجد أحيانا أنها الفترة إلى
الفطام، أو الطفولة كلها دون تحديد ثابت؛ وأحيانا أخرى نجد أنها على التحديد مدة سنتين أو سنتين ونصف، أو ثلاث سنين، أو سبع سنين. وفيما يتعلق بتحديد مدة السنتين احتج البعض بآية ٢٣٣ من سورة البقرة، وهى:"والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين، لمن أراد أن يتم الرضاعة" (وفيما يتعلق بالتفاصيل راجع الشوكانى، نفس المصدر، ص ٢٧٢). والمذاهب الأربعة مجتمعة على أن النسب فى الرضاعة يقوم بين الرجل وكل ذريته من جهة، وبين مرضعته وكل أقاربها فى النسب والرضاعة وزوجها وكل أقربائه فى النسب من جهة أخرى، ولكن لا نسب فى الرضاعة بين رجل وبين آباء إخوته فى الرضاعة أو أقاربهن من غير العصبة ولا بين المرضعة وبين آباء رضيعها وأقاربه من غير العصبة.
والحنفية والمالكية لا يشترطون فى الرضاعة التى يحرم معها النكاح حداً أدنى، أما الشافعية فقد اشترطوا خمس رضعات. ومدة الرضاع عند المالكية (إلا إذا وقع الفطام مبكراً) وكذلك الشافعية والحنابلة سنتان، وعند الحنفية سنتان ونصف سنة. وأجاز الظاهرية رضاع الشخص الكبير. وقد اكتفى الشافعية أيضا فى إثبات النسب فى الرضاعة بشهادة أربع نساء، والمالكية بشهادة
امرأتين إذا كانت المسألة مسألة خطيرة، واكتفى الحنفية بشهادة امرأة واحدة.
ومنذ فجر الإسلام إلى اليوم قد احتفظ أشراف مكة بعادة استرضاع أبنائهم من مرضعات من أهل البادية (انظر La Meque a la Veille: Lammens)