وإن لم يكن ذلك على النطاق الذى استقر عليه الرأى أول الأمر. وكان أمر الإنفاق على بناء القصر والمسجد الجامع فى يد البطريق بن النكا أحد نصارى اللد (البلاذرى طبعة دى غوى، ص ١٤٣ وما بعدها ويكتب هذا الاسم بصيغ مختلفة: بطريق بن بكا فى ابن الفقيه، المكتبة الجغرافية العربية، جـ ٥ ص ١٠٢، وابن بطريق فى ياقوت (ج ٢، ص ٨١٧). ويذكر ياقوت (جـ ٢، ص ٨١٧) أن هذا البطريق سأل أهل اللد أن يعطوه منزلا بالقرب من الكنيسة فلما أبوا عليه ذلك، عزم على تخريب الكنيسة. ويذكر المقدسى (المكتبة الجغرافية جـ ٢، ص ١٦٤ وما بعدها) أن الخليفة هشاما هدد أهل اللد بتدمير كنيستهم إذا هم لم يسلموا ما أخفوه عندهم من الأعمدة الرخامية التى اعتزموا أن يشيدوا بها عمارة فاخرة. وبدأ هشام أيضًا فى مد قناة تدعى بَرَدة إلى هذه المدينة الجديدة واحتفر آبارًا عذبة، ذلك أن المدينة كانت على مسيرة ١٣ ميلا تقريبًا من أبى فطرس أقرب الأنهار إليها (اليعقوبى، المكتبة الجغرافية العربية، جـ ٧، ص ٣٢٨).
وأخذ الخلفاء العباسيون فيما بعد على عاتقهم التكاليف الباهظة اللازمة لصيانة هذه القناة، وكان الأمر فى تلك النفقة يخرج فى كل سنة فلما استخلف المعتصم أسجل بذلك سجلا وصارت النفقة يحتسب بها للعمال.
وقد وصف المقدسى وصفًا شائقًا مزايا هذه المدينة وعيوبها، فهى بفضل وفرة فاكهتها وخاصة التين والنخيل، وعذوبة مياهها وطيب غذائها، قد جمعت بين فضائل الريف والحضر، ومزايا المدن التى تقوم فى السهل وتجاور التلال والبحر، ومزايا أماكن الحج مثل بيت المقدس والحصون الساحلية. وكان بها مسجد كبير جميل وخمسة خانات وحمامات مريحة ومساكن رحبة وطرق فسيحة. على أنها كانت إلى ذلك أشبه بالجزيرة الموحلة إبان فصل الشتاء، أما فى فصل الصيف فقد كان حرها شديدًا. وأرض الرملة صلبة لا خضرة فيها لعدم وقوعها على نهر، ولعل قلة المياه الجارية فيها هى أهم عيب فى هذه المدينة، ولولا هذا العيب لكانت تامة