للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأخرى التى ذكرناها، وفيها أن من ارتهن شاة شرب من لبنها بقدر علفها، وممن ذهب إلى هذا الرأى ابن حنبل والليث بن سعد وإسحاق والحسن (١).

وهنا يرى ابن مسعود ومن ذهب مذهبه من الأئمة المتأخرين أن هذا الحديث بروايته الأخرى تلك ورد على خلاف القياس، لأن فيه إجازة انتفاع المرتهن بغير إذن الراهن (المالك) ولأن فيه تضمينه ما ينتفع به بالنفقة لا بالقيمة.

ويقول ابن عبد البر بأن هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها، وآثار لا يختلف فى صحتها (٢). على أن السنة الصحيحة وهذا الحديث منها، من جملة الأصول فلا ترد إلا بأصل آخر أرجح منها، كما يذكر الشوكانى، بعد أن يتعذر الجمع بينها.

(ب) بعد أن وضع المرتهن يده على الرهن ضمانا أو تأمينا لدينه، أصبح الرهن وثيقة بهذا الدين الذى له، ومعنى هذا أن له أن يطالب المدين بدفع ما عليه حين يحل أجل الوفاء المتفق عليه بينهما مع استمراره حابسا للمرهون حتى يستوفى دينه كله، فإن وفى الراهن الدين انتهى عقد الرهن طبعا، وإلا بيع الشئ المرهون وحينئذ يكون "المرتهن أحق بثمنه من بين سائر الغرباء، لأن بعقد الرهن ثبت له الاختصاص بالمرهون، فيثبت له الاختصاص ببدله وهو الثمن (٣)، ومن البدهى أن للراهن ما بقى من الثمن بعد سداد الدين، وأن المرتهن يعود عليه بما بقى من الدين إن لم يف الثمن به كله.

أما إذا هلك الرهن فى يد المرتهن قبل وفاء الدين، فإن الإمام الشافعى يرى أنه هلك أمانة فيبقى له دينه يطالب به، بينما يرى الفقهاء الآخرون أنه يهلك مضمونا، ثم اختلف هؤلاء فى بيان قدر هذا الضمان، فذهب أكثرهم إلى أنه يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومن الدين، وفى هذا بلا ريب مصلحة للمرتهن وهذا هو "قول عامة العلماء وجماعة من الصحابة رضى اللَّه عنهم


(١) المؤلف نفسه، ص ٣٣٤ - ٣٣٥.
(٢) المؤلف نفسه، ص ٢٣٥، وراجع المسألة بتمامها والخلاف فيها، وترجيح أن من له الانتفاع هو المرتهن، في "الروض النضير" لشرف الدين الحيمى اليمنى الصنعائى، مطبعة السعادة عام ١٣٤٨ هـ، ص ٣٧٥ - ٣٧٦.
(٣) البدائع للكاسانى، جـ ٦: ١٥٣.