غرضا آخر كان له فى بادئ الأمر طابع حربى. وجدير بنا فى هذه المناسبة أن نشير إلى رواية ابن مرزوق التلمسانى المتوفى عام ٧٨١ هـ (١٣٧٩ م) الذى خص الفصل الثانى والأربعين من رسالته عن أبى الحسن على السلطان المرينى المسماة "المسند الصحيح الحسن" بالكلام عن الزوايا التى شيدها هذا السلطان. وقد ذكر أن الزاوية هى ما يعرف فى الشرق باسم الرباط أو الخانقاه، ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن كلمة رباط كانت تستعمل أيضا فى مراكش للدلالة على المنشآت التى يوجه فيها النشاط العسكرى بصفة خاصة ضد الأعداء والمارقين. وكان هذا يصدق على رباضى آسفى وسيدى شيكر على وادى تنسيفت. ولا شك فى أن صوامع الزاوية الأولى قد نمت سريعًا ولم تصبح أماكن يفزع إليها الناس هربا من الدنيا فحسب بل أصبحت أيضا مراكز للحياة الدينية والصوفية حيث عمل العلماء من غير رجال الدين الذين كان التصوف شغلهم الشاغل على تقريبه إلى أذهان الجماهير. فأصبحت الزوايا آنئذ مراكز تستهوى قلوب الناس ومدارس دينية، كما أصبحت إلى حد ما دور ضيافة مجانية يقصدها الرحالة الذين يبحثون عن الكمال الروحى. وهذا يفسر لنا قول ابن مرزوق فى كلامه عن الزوايا فى زمنه "من الواضح أن الزوايا عندنا فى المغرب تأوى المتجولين وتطعم المسافرين".
ولا نجد فى الأندلس زوايا قبل عهد أسرة بنى نصر بغرناطة، ومن ثم فإنها ترجع إلى العهد ذاته الذى شيدت فيه زوايا أبى الحسن السلطان المرينى، ولابد أنها أقيمت لنفس الأغراض التى أقيمت من أجلها تلك الزوايا. وفى عام ١٩٠٣ ذهب كل من و. مارسيه وج. مارسيه W. & G. Marcais مذهبا طريفا فى هذا الشأن فقالا إن السلاطين المرينيين وسلاطين بنى عبد الواد الذين حكموا فى القرن الرابع عشر الميلادى إنما قصدوا من إنشاء المدارس المغربية أن تكون اعترافًا رسميا منهم بالمدارس الملحقة بالزوايا. ولعل الأرجح أن هؤلاء السلاطين قد حاولوا بمنشآتهم التى أقاموها بجانب مراكز التعليم الدينى الكبرى، وخاصة جامع القرويين بفاس، أن يخففوا إلى حد ما من حدة المنافسة