للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا المبلغ الجسيم الذى منحه زرياب فانتهى الأمر بالوالى إلى دفع هذا المبلغ من جيبه الخاص. وزاد الأمور سوءًا تلك الصلات الوثيقة التى كانت تربط الأمير بمغنيه، مما أدى إلى قيام الشاعر الغزَّال بهجاء زرياب، على أن الأمير بادر بإسكاته. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ذلك أن شاعرا آخر يدعى ابن عبد ربه (المتوفى عام ٩٤٠) قد باح بمثل هذه الموجدة بعد ذلك بقرن من الزمان.

وليس ثمة ما يدعو إلى الشك فى أن زرياب كان اهلا لهذا المديح وتلك الأموال التى اغدقت عليه. ويذكر المقرى أنه لم يوجد احد من أهل صناعته قبله أو بعده كان أكثر منه موضعًا لحب الناس له وإعجابهم به، بل إن الشعراء ظلوا إلى آخر أيام دولة غرناطة التى سقطت عام ١٤٩٢ يرون فى شهرة زرياب موضوعا محببًا تنجذب قلوبهم إليه. فقد كان زرياب على دراية واسعة بمختلف فروع الفنون الجميلة كما كان عالما بالنجوم والجغرافية. وكانت هذه الفضائل هى التى قربته من مولاه بصرف النظر عن تفوقه الذى لا يبارى فى الموسيقى (١). والظاهر أن زرياب كان بو بروميل Beau Brummell (٢) عصره، كما كان الأصل فى كثير من البدع التى ظهرت فى عادات المسلمين بالأندلس. وقد ذكر المقرى كل ذلك بالتفصيل.

غير أن شهرة زرياب فى الموسيقى غطت على كل شئ آخر. فقد كان ضليعا فى كل ناحية من نواحى الموسيقى "مع حفظه لعشرة آلاف مقطوعة من الأغانى بألحانها. وهذا العدد من الألحان غاية ما ذكره بطلميوس" (وقد ذكرت خطأ فى كتابى تاريخ الموسيقى العربية History of Arabian Music ص ١٣٠ نقلا عن الترجمة الانكليزية لكيانكوس Gayangos-P. de أن عدد هذه الأغانى بلغ ألف


(١) نص ما جاء فى المقرى: "وكان زرياب قد جمع إلى خصاله هذه الاشتراك فى كثير من ضروب الظرف وفنون الأدب ولطف المعاشرة وحوى من آداب المجالسة وطيب المحادثة ومهارة الخدمة الملوكية ما لم يجده أحد من أهل صناعته حتى اتخذه ملوك أهل الأندلس وخواصهم قدوة فيما سنّه لهم من آدابه".
(٢) هوجورج بريان برمل George و Brummell من أئمة المجتمع الانجليزى الذين عرفوا بأناقتهم، وكان صديقا لجورج الرابع، ومات فقيرا مدقعا بعد أن اختلط عقله.