القرآن الكريم بصفة خاصة عن تطور الزكاة فيما بعد: يظل البر الذى يعبر عنه بعبارات عامة حينا وبكلمة زكاة حينا آخر (وقد تحل عبارة محل عبارة أخرى، كما فى سورة البقرة، آية ٣٦٢ - ٢٨١) من فضائل المؤمن الكبرى. وعلى المؤمن أن يجعل نية البر أمرًا أساسيًا. وبحسب الاصطلاح الأخير لا يزال المعنى العام يتوارى ومعنى العطاء يبرز إلى الأمام. وترد كلمة صدقة مرادفة لكلمة زكاة تقريبًا، ولا ريب أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد عرف ذلك، ولم يلبث معنى الزكاة أن تاثر فى المدينة أيضًا بتغيير الأحوال: فكان لابد من القيام بالانفاق على فقراء المسلمين الذين هاجروا من مكة. وزاد البر بعد أن صار بعض الناس لا يدخلون فى الإسلام مدفوعين ببواعث دينية خالصة (٥) على أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] استطاع عند ذلك أن يضع نظامًا لأخذ الصدقات وصرفها فى وجوهها، وهو النظام الذى قررته الآية ٦٠ من سورة التوبة. بيد أن هذا النظام لم يغير فى أول الأمر شيئًا من طبيعة الزكاة من حيث هى صدقة فردية، على الرغم من وجود بعض الصدقات التى لها صفة الالزام (سورة البقرة، آية ١٧٧، حيث يذكر البر إلى جانب إيتاء الزكاة)، وأخيرًا فإن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يستعمل ما يتحصل من جملة هذه الصدقات لمساعدة المحتاجين فحسب بل استعمله عند الضرورة فى الجهاد، وكان تحصيل هذه المبالغ الكبيرة اللازمة لذلك مصدر صعوبات كبيرة، ومن ثم لا يزال يتردد القرآن الحض الشديد على الإنفاق "فى سبيل اللَّه"، يؤيده الترغيب فيما وعد اللَّه من ثوابه، والترهيب مما أوعد به من عذابه، وقد أثار تصرف النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الصدقات نقدًا لما أراد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد فتح مكة، أن يتألف قلوب بعض سادات قريش، بأن أعطاهم من أموال الزكاة، حتى يرضوا بالنظام الجديد. ونزلت آيات لتهدئة هذا التذمر (سورة التوبة، آية ٥٨ - ٦٠:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (٦). . . {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي