ذلك اصطلاح: الصلاة، واصطلاح: الزكاة. والفقهاء أنفسهم هم الذين أعطوها هذه المعانى الشرعية، وقد يكون الناقل لها عن المعنى اللغوى إلى المعنى الاصطلاحى الفقهى هو المشرع نفسه. فليس صحيحًا إذًا، ما يقوله الكاتب من أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخذ معنى الزكاة الشرعى عن اليهود، ولكنه التعصب على الإسلام هو الذى يدفع كثيرا من المستشرقين إلى ادعاء أخذ الإسلام عن اليهودية حينا وعن المسيحية أو غيرها حينا آخر.
وفى "الزكاة" خاصة، نجد القرآن أشار إليها أولا بكلمة "صدقة"، ثم صرح بلفظ "زكاة" بعد ذلك فى مواضع كثيرة من القرآن، فلو أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أخذ استعمالها عن اليهود لما كان هنا معنى للإشارة إليها أولا بلفظ: صدقة وصدقات، ثم إن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما هو معروف -لم يكن إلا مبلغا عن اللَّه تعالى، فاللَّه هو الذى استعمل فى كتابه الكريم لفظ "زكاة" فى معناه الشرعى، فهل أخذ اللَّه جل وعلا هذا الاستعمال عن اليهود!
٢ - إذا أردنا الدقة فى التعبير، وهذا ما كان يجب أن يلاحظه الكاتب، لا نرى الزكاة تدل أيضا على الإحسان وعلى أنواع الصدقة كما يقول، بل هى شرعا "حق يجب فى المال"، ومنه قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلم:"ليس فى المال حق سوى الزكاة"(المعنى لابن قدامة، طبعة المنار سنة ١٣٦٧ هـ، جـ ٢: ٥٧٢: ٥٧٣). وهذا الحق مقدار معين من المال، ولهذا يقال عادة: فلان أخرج زكاة ماله؛ أما الإحسان فهو فعل يكون من المحسن، لا نفس الحق الذى يؤديه.
٣ - أتى الكاتب هنا ببعض الآيات التى تبين فضل الإنفاق والصدقة، وأشار إلى بعض آخر، ثم ذكر أن كل هذه الآيات مكية وأن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يستعمل وهو فى مكة كلمة: زكاة بمعناها الشرعى الذى أخذه عن اليهود. وفضلا عن ردنا على زعم الأخذ هذا فى التعليق رقم ١، نلاحظ أنه ليس فى الآيات التى ذكرها أو أشار إليها كلمة: زكاة، كما نلاحظ أن صلة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] باليهود لم تكن إلا بعد الهجرة إلى "المدينة" التى كانت موطنهم فكيف أخذ عنهم وهو فى مكة! على أن صلته