١١ - يأخذ الكاتب من امتناع بعض المسلمين عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول أن أداءها لم يكن يتطلبه الدين،
ويستدل على هذا بأن عمر بن الخطاب نفسه كان ميالا إلى قبول ذلك -أى امتناع من أبى أداءها- ثم يقول: وإنما صلابة أبى بكر هى التى جعلت من الزكاة فى صورتها الضريبية نظاما دائما.
هكذا يتصور الكاتب المسألة، ونحن قد بينا أن الزكاة فرضت بالقرآن، ثم بينها الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بما نراه بين أيدينا من أحاديث ثابتة. أما مسألة امتناع بعض المسلمين من أدائها لأبى بكر بعد وفاة الرسول، فهى مسألة معروفة تاريخيا؛ وقد اعتبر الخليفة الأول أن هؤلاء صاروا مرتدين عن الإسلام بامتناعهم عن أداء الزكاة وجحد وجوبها فريضة دائمة من اللَّه تعالى، ولهذا قص المؤرخون ما كان من هؤلاء تحت عنوان: حروب الردة.
وميل عمر بن الخطاب أول الأمر لعدم حرب هؤلاء لهذا السبب، ليس لأنه كان يرى معهم أن لهم ألا يؤدوا الزكاة، بل أشفق على الإسلام والمسلمين من أن يحاربوا فى جبهات عديدة فى آن واحد بعد أن انتقض كثير من القبائل على الإسلام والمسلمين، ولهذا نجده والمسلمين جميعا قد اتفقوا على وجوب قتال مانعى الزكاة مع الخليفة الأول (راجع المغنى لابن قدامة، جـ ٢: ٥٧٤ - ٥٧٥). وإذًا، فلم تكن صلابة أبى بكر هى التى جعلت من الزكاة نظاما دائما، فذلك كان مقررا تماما أيام الرسول نفسه، ولكنها ردت هؤلاء المرتدين جميعا على أعقابهم، وثبتت الإسلام ونفوذه وأوامره بصفة عامة.
١٢ - هنا يذكر الكاتب أن انتشار الفقه الإسلامى جعل الزكاة ضريبة شرعية بصفة نهائية، وأنه دخلت الآراء التى قيلت فى ذلك فى الحديث. ونحن لا نرى أن نعيد ما قلناه سابقا من أن الزكاة تقررت نهائيا بالقرآن والسنة. ولكن نذكر أن آراء الفقهاء فى الزكاة أو غيرها لم تدخل قط فى الحديث، فإن أحاديث الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وسنته نجدها مفردة فى دواوين خاصة لا يشوبها شئ من أقوال غيره، وهذا أمر يعرفه