للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يؤمنون بأن الوجود ذو مراتب وبأنه من البديهى، تبعا لذلك، أن يكون لكل نوع من الموجودات زمانه الخاص أو أزليته؛ ولا أزلى فى الحقيقة إلا اللَّه، إن لم تكن ذاته فوق الأزل، وقد وافق الفلاسفة أرسطو فى القول بأن ماهية العلة الأولى (اللَّه) وفعلها (١) شئ واحد؛ فاللَّه أزلى، وهو لذلك يخلق العالم فى الأزل، والمخلوق الأول وهو العقل (يذكر صاحب كتاب Le livre de Ia Creation انظر ما تقدم جـ ١، ص ٨٥٤ وما بعدها أن بعض أهل الإسلام ذهب "إلى أن أول ما أحدث من الزمن العلوى، وهو وقت يظهر فيه الفعل، ليس السفلى الذى هو من حركات الفلك") أقل أزلية، لكنه فى دهر وسكون، وكذلك النفس الصادرة عن العقل توجد فوق الزمان لأنها علة الزمان. هذا ما يذهب إليه مع أفلوطين كتاب الربوبية المنسوب لأرسطو (طبعة ديتريصى ص ١٣ وما بعدها) وفى كتاب العدل Liber de causis لبرقلس ما جملته أن اللَّه، من حيث هو العلة الأولى، يوجد فوق الدهر، والعقل مع الدهر والنفس تحت الدهر، لكنها فوق الزمان والطبيعة هى مجال الحوادث (كتاب Liber de Causis طبعة O.Bardenhewer بمدينة فرايبورج بألمانيا , ١٨٨٢، ص ٦١ وما بعدها).

ومن البين أن فعل الكائنات التى فوق الزمان يتم أيضا على نحو خارج عن الزمان، وقد شبه بفعل التعقل عند الناس وبالارتباط بين الصورة والهيولى وبانتشار الضوء فى العالم، وكلها تتم فى غير زمان (راجع فيما يتعلق بمسألة التغير الذى يقع فجأة ودفعة واحدة، أعنى فى غير زمان، كتاب H.A.Wolfson المتقدم ذكره، ص ٤٩٨ وما بعدها، ص ٥٤٢ وما بعدها).

وكانت المشكلة فى أول الأمر بسيطة جدًا عند المتكلمين: فهناك إله قديم أزلى وهناك عالم حادث؛ ولا وسط بينهما، وكان كل من أصحاب مذهب الجوهر الفرد بين المسلمين وخصومهم متفقين على ذلك. وكان أهم ما يريده أصحاب مذهب الجوهر الفرد هو أن يؤكدوا أشد التأكيد أن المكان يتألف من أجزاء


(١) المقصود فاعليتها وتأثيرها -المترجم.