وكانت دراساته للفقه والحديث على عدد كبير من الشيوخ بقيت أسماؤهم (المناقب، ص ٣٣ - ٣٦؛ الترجمة، ص ١٣ - ٢٤). وفى بغداد حضر دروس القاضى أبى يوسف المتوفى سنة ١٨٢ هـ (٧٩٨ م)، ولم يتأثر أحمد بأبى يوسف تأثرًا كبيرًا؛ وكذلك درس بانتظام على هشيم بن بشير تلميذ إبراهيم النخعى، وذلك من سنة ١٧٩ إلى سنة ١٨٣ هـ (المناقب، ص ٥٢؛ البداية، ج ١٠، ص ١٨٣ - ١٨٤). وكان إمام شيوخه من بعد سفيان بن عيينة المتوفى سنة ١٩٨ هـ (٨١٣ - ٨١٤ م) وهو الحجة الأكبر لمدرسة الحجاز. أما أشهر شيوخه فهما: عبد الرحمن بن مهدى البصري المتوفى سنة ١٩٨ هـ (٨١٣ - ٨١٤ م)، ووكيع ابن الجراح الكوفي المتوفى سنة ١٩٧ هـ (٨١٢ - ٨١٣ م). على أن تكوين أحمد الفقهى يرجع فوق كل شئ، كما يقول ابن تيمية (منهاج السنة، ج ٤، ص ١٤٣) إلى مدرسة الحديث ومدرسة الحجاز؛ ومن ثم لايمكن أن يعد ببساطة -كما يقال أحيانًا- تلميذ، للشافعى الذى عرف أحمد آثاره الفقهية، أو قل عرف على الأقل بعضًا منها، وإن كان لم يلقه فيما يظهر إلا مرة واحدة، وكان ذلك فى بغداد سنة ١٩٥ هـ (البداية، ج ١٠، ص ٢٥١ - ٢٥٥، ٣٢٦ - ٣٢٧).
والسياسة التى انتهجها المأمون حوالى نهاية حكمه بتأثير بشر المريسى، وهى تأييد الدولة لمذهب المعتزلة قد أحدثت فى حياة أحمد فترة من المحنة أكسبته من بعد صيتًا مدويًا. وقد أنكر أحمد بشدة القول بخلق القرآن وهو قول يعارض مذهب أهل السنة. فلما سمع المأمون بذلك، وكان فى طرسوس، أمر بأن يشخص إليه أحمد ومعارض آخر هو محمد بن نوح. فكبلا بالأصفاد وحملا إليه، وما إن غادرا الرقة إليه حتى بلغهما نبأ وفاة الخليفة، فأعيدا إلى بغداد، وتوفى ابن نوح فى الرحلة، ولما وصل ابن حنبل قصبة الدولة سجن أولًا فى اليسارية، ثم فى دار عُمارة، ثم سُجن أخيرًا فى السجن العام بدرب الموصلى (المناقب، ص ٣٠٨ - ٣١٧؛ الترجمة، ص ٤٠ - ٥٦؛ البداية، ج ١٠، ص ٢٧٢ - ٢٨٠).