للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العربى، وتسمى الخطبة البتراء (١). ذلك أن الخطيب، فيما يقال، قد بدأها مبتورة. وكشف فيها عن برنامجه وأعلن عن الإجراءات الصارمة التى قد يلجأ إليها إذا دعته الحال، وقد ثبت من الحوادث التى تلت ذلك أن تهديداته لم تكن مجرد أقوال؛ وهكذا استطاع زياد أن ينشر النظام فى إقليم البصرة المترامى الأطراف بأسره، مما عجز عنه كل من تقدموه. وبادر الخليفة فكافأه على ذلك بتوليته الكوفة أيضًا؛ وكانت الكوفة مع العلويين قلبًا وقالبًا، وما كان لها بعد فقد على أن تتعزى عن ضياع لقب الخلافة من يدها أو ترضى بانتقال قصبة الخلافة إلى غيرها من المدائن. على أن زيادًا نجح فى الكوفة نجاحه فى البصرة، وأعاد هيبة الأمويين إلى هذه المدينة المتمردة فى أمد وجيز.

وقد استطاع زياد، بوصفه واليًا على العراق بأسره وعلى الولايات التى كانت تعتمد على العراق فى بلاد العرب وشرقى آسية، أن يبرر، حتى نهاية عمره، تلك الثقة التى لاحد لها والتى أولاه إياها معاوية؛ وهو فى رأى المؤرخين العرب صنو معاوية فى الجدارة بلقب السياسى الأمثل، ذلك أنه تولى زمام الحكم بيد الخبير المحنك لا يبدو فى تصرفاته أثر الجهد والنصب، فكانت أذنه صاحية واعية لا تغفل عن الحوادث التى تقع فى ولايته المترامية الأطراف. وكثيرًا ما يتردد المؤرخون وأصحاب الحكم فى الاختيار بين معاوية وزياد وهم يضربون المثل على السياسة العليا، وقد يؤثرون أن يضربوا بهما المثل جميعًا؛ وكان زياد يعد من الدهاة الأربع الذين عاشوا فى هذا القرن؛ أما الثلاثة الآخرون فهم معاوية والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص. وقد اضطر زياد فى الكوفة إلى أن يرقب بعين ساهرة اجتماعات العلويين، واختلف فى هذه المدينة مع مشعل الفتن حجر بن عدى، وهو أمر مألوف يقع كل يوم، إلا أن الرواية


(١) سميت مبتورة لأن زيادا لم يبدأها باسم اللَّه الرحمن الرحيم، على عادة الخطباء منذ بدء الإسلام فانطبق عليها الحديث الشريف الذى يقول: كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه باسم اللَّه الرحمن الرحيم فهو أجزم أو أقطع أو أبتر" أى ناقص.
[د. مهدى علام]