وسرعان ما تقدم الصفوف بفضل كفايته وعلمه باللهجات البربرية ومجريات الحوادث. وكان له شأن هام فى إخضاع الفتنة التى ثارت فى وجه قبيلة أيت أما لو. فنال بذلك ثقة السلطان، فعهد إليه بالمفاوضة مع أقوام البربر المختلفة فى الدولة الذين لم يكن قد تم إخضاعهم بعد، ومن ثم أخذ يجوب مراكش من أقصاها إلى أقصاها بلا انقطاع، وقام بعدة أسفار إلى تافيلالت البعيدة. وفى عام ١٢٠٠ هـ (١٧٨٦ م) أوفده السلطان محمد بن عبد اللَّه فى مهمة بالأستانة للسلطان عبد الحميد. وبلغ الزيانى القصبة العثمانية بعد أحداث كثيرة، ومكث فيها أكثر من ثلاثة أشهر. فتمكن بذلك من أن يكتب بعد عودته وصفا مفصلا لهذه المدينة. وعند عودته عين واليا على سجلماسة بعد أن قام بعدة مهام سرية. وظل فى هذا المنصب إلى أن توفى السلطان محمد بن عبد اللَّه عام ١٢٠٤ هـ (١٧٩٠ م).
وخلف السلطان محمد ابنه اليزيد فوضع حدا لأعمال الزيانى السياسية، ذلك أنه كان يمقته. وقد نجا الزيانى بأعجوبة من الموت عندما أصيب اليزيد نفسه في عام ١٢٠٦ هـ (١٧٩٢ م) بجرح فى قتاله هشاما أحد المطالبين بالعرش. وما إن أطلق سراح الزيانى، وكان أسيرا فى مدينة رباط، حتى اشترك اشتراكا فعالا بمدينة مكناسة فى المناداة بمولاى سليمان وهو ابن آخر لمحمد بن عبد اللَّه، سلطانا على البلاد، فعينه هذا السلطان عاملا على منطقة مدينة وجدة، ولكن ما إن تقلد الزيانى زمان هذا المنصب حتى هاجمه الأهالى الذين ولى عليهم وهزموه، وكانت هذه البلية سببا فى مقته الحياة العامة، ولذلك عاد إلى تلمسان وعاش فى عزلة يدرس ويتأمل ثمانية عشر شهرا بطولها. ولم يخرج من عزلته هذه إلا اعتزم الرحلة إلى الآستانة فى شأن خاص به، ولتأدية فريضة الحج مرة أخرى. وعند عودته عام ١٢١٠ هـ