وقد أصبح الرأى المستقر هو أن مذهب ابن حنبل فيه قول بوجود الله مع المغالاة العنيفة فى الاستمساك بالتشبيه؛ وفيه سلفية ممعنة فى المذهبية إلى حد لا يمكن أن يتيح لها البقاء، وروح من التعصب مشتعل بالهياج العصبى، وافتقار أصيل إلى
التواؤم الاجتماعى، وضرب من العجز المقيم لتقبل النظام المقرر. والدراسة المباشرة لآثاره تدل على أننا يجب ألا نلتمس الأغراض المسيطرة على تعاليمه من هذه الأحكام العامة على مذهبه.
صفات الله: الله عند ابن حنبل هو الله الذى جاء فى القرآن. والاعتقاد بالله هو الاعتقاد بالصفات التى وصف بها نفسه فى كتابه. ومن ثم يجب أن نسلم بأن صفاته: السميع والبصير والمتكلم والقادر والمريد والحكيم وغيرها، هى حق، كما أن الصفات الأخرى جميعًا التى تدخل فى "المتشابه" -كالكلام عن يده وعرشه ووجوده فى كل مكان ورؤية المؤمنين له يوم البعث- كلها أيضًا حق. وأخذًا بالحديث يجب أن نسلم أيضًا بأن الله سبحانه يتنزل إلى السماء الدنيا فى ثلث الليل الأخير ليستمع إلى دعوات عباده, كما يجب أن نسلم فى الوقت نفسه بظاهر لفظ القرآن (سورة الإخلاص) إن يقول إن الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد؛ (كتاب السنة، ص ٣٧؛ كتاب المناقب، ص ١٥٥). ومن ثم أنكر ابن حنبل بشدة قول الجهمية بالتعطيل وتأويل القرآن والحديث، كما أنكر فى شدة لا تقل عن ذلك تشبيه المشبهة وسلك معهم فى مناظراته الجهمية راميًا إياهم بأنهم مشبهة بلا وعى منهم.
ويجب -فى عقيدة أحمد فى الله- أن يوْمن المرء بالله "بلا كيف" ويترك لله فهم أسراره تعالى، ويطرح دقائق علم الكلام فى تناوله للعقائد لأنها تنطوى على الغرور والخطر (كتاب السنة، ص ٣٧؛ المناقب، ص ١٥٥ - ١٥٦). وكان هذا الموقف غاية فى البساطة وغاية فى القوة أيضًا من حيث النظرة القرآنية حتى أن الأشعرى حين تخلى عن مذهب المعتزلة أخذ يسعى، إما عن لطف فى التدبير وإما عن تقبل