يختفى خلال إقامته فى الكوفة فى مخابئ دأب على تغييرها، ولكنه ما إن أصبح مستعدًا لبدء القتال حتى كان الوالى يوسف بن عمر الثقفى، وكان وقتئذ غائبًا بالحيرة، قد أثبت أنه اتخذ للأمر أهبته فلم ينضم إلى زيد إلا بضع مئات من الرجال بالرغم من أن آلافًا منهم كانوا قد بايعوه بالإمامة؛ واستمر القتال فى الطرقات بضعة أيام أصيب بعدها زيد فى مقتل، وأخفيت جثته فى مخبأ تحت الماء إلا أن بعضهم أفشى سر هذا المخبأ، فعرض جثمان زيد فى الكوفة ورأسه فى دمشق ومكة والمدينة؛ وقد نقل الطبرى عن أبى مخنف وصفا حيا مسهبا لتفصيلات القتال رواية عن بعض من عمروا بعده، بيد أن تاريخ القتال نفسه الذى وقع فى مستهل عام ١٢٢ هـ (٧٤٠ م) ليس محققًا تمامًا، ذلك أن زيدًا فيما يظهر قد اضطر أن يسارع بفتنته قبل أجلها الذى جعله بينه وبين أهل الكوفة ببضعة أيام نظرًا لبراعة رجال الشرطة السرية؛ والقول بأن تاريخ هذه الفتنة كان سنة ١٢١ أو حتى سنة ١٢٠ فيه على ما نظن إغفال للمدة الطويلة التى كان يقتضيها التجهيز لهذه الفتنة. ويرجع الفضل فى نجاح شرطة الأمويين، ولم يكن عددهم كبيرًا بأى حال، إلى ما عرف عن متآمرى أهل الكوفة من تردد. فقد التأم شملهم فى المسجد الجامع وتركوا الباب يغلق دونهم، ولم يؤازروا زيدًا فى جهوده لإطلاق سراحهم، مع أن هذه الجهود كادت تكلل بالنجاح عدة مرات؛ ولم يكن بين هؤلاء المتآمرين شئ من التجانس، وإنما كانوا نفرًا من الساخطين على الحكومة، بل كان بينهم بعض الخوارج، ثم إنه لم ينصر زيدًا أحد ممن أجمعوا على أن يلى الخلافة رجل من العلويين. أما الرواية التى تقول إن كثيرًا من الذين تخلوا عنه لجأوا إلى أخيه محمد الباقر بوصفه الإمام الحق فلعلها تأثرت بالاضطراب الذى ساد صفوف الشيعة بعدئذ قبل أوانه، زد على ذلك أن زيدًا نفسه لم يكن زعيم الحركة الحقيقى، ذلك أنه لم يأت الكوفة بمحض رغبته، بل كان فى الرصافة مع الخليفة هشام بن عبد الملك وكان قد لجأ إليه فى إبان حاجته وعوزه، وإذا بالوالى يستدعيه إلى الكوفة ليسأله فى قضية تتصل بَديْن