هذا الأمير أن يجمّل القيروان وصبرة التى كانت مقر الحكم بعمائر غاية فى الإبداع (سقوف ومقصورة مسجد القيروان الجامع)؛ وقد شجعت. هذه الثروة المعز على أن ينفض عنه سلطان الفاطميين، وأن يطلّق مذهبهم الذى لم يقبله أهل إفريقية إلا كارهين؛ على أن الخليفة فى القاهرة أراد أن يؤدب المعز على هذا الانتقاض فسيِّر على أصحاب الفتنة عام ٤٤٤ هـ (١٠٥٢ م) القبيلتين الأعرابيتين بنى هلال وبنى سليم وكان فى فعلته هذه الطامة الكبرى، ذلك أن هاتين القبيلتين خربتا الأراضى المكشوفة تخريبا، واضطر المعز إلى الرحيل عن القيروان والاحتماء بالمهدية، واستولى الأعراب على السهول، فى حين قامت فى المدن جمهوريات وإمارات صغيرة مستقلة؛ وحاول تميم ابن المعز (٤٥٤ - ٥٠١ هـ = ١٠٦٢ - ١١٠٨ م) أن يسترجع مملكته ويقضى على أطماع بنى حماد إلا أنه لم يوفق فى ذلك توفيقا كبيرًا، وكان على خلفائه أن يستأنفوا هذه المهمة الشاقة؛ أما الشئ الذى تميز به حقًا الأمراء المتأخرون من بنى زيرى، وهم تميم بن المعز، ويحيى بن تميم (٥٠١ - ٥٠٩ هـ = ١١٠٨ - ١١١٦ م) وعلى بن يحيى (٥٠٩ - ٥١٥ هـ = ١١١٦ - ١١٢١ م)، والحسن بن على (٥١٥ - ٥٦٣ هـ = ١١٢١ - ١١٦٧ م) فهو ذلك النشاط البحرى الذى نمَّاه هؤلاء الرجال، وكانوا من أهل البر، فى حين شلت حركتهم فى بلادهم الأصلية، كما تميزوا بسعيهم المتواصل لاسترداد سيطرتهم على البحر من النورمنديين أهل صقلية، على أن هذا النضال، الذى كان يتخذ صورة الغارات يشنها القراصنة، لم يكتب النصر فيه آخر الأمر لبنى زيرى، وحاول أمراؤهم عقد اتفاق مع النورمنديين، بيد أنهم لم يستطيعوا منع العدو من غزو ساحل إفريقية ونهب مدن الساحل. وقد استولى جورج صاحب أنطاكية على المهدية عام ٥٤٣ هـ (١١٤٨ م)، وطرد الحسن من قصبة بلاده، فاحتمى ببونة ثم بالجزائر. وقد أعاد عبد المؤمن الخليفة الموحدى تنصيب الحسن على المهدية، وقضى فيها ثمانى سنوات قبل أن يطرد من البلاد ثانية، حيث مات مغمورًا فى المغرب الأقصى عام ٥٦٣ هـ (١١٦٧ م).