يأتيا بأى دليل أو سند أو احتمال يؤيد ما ساورهما من شك فى تفسير هذه الفقرة، بل هما لا يستطيعان أن يأتيا بشبه دليل، ومن ثم فنحن نجزم استنادًا إلى هذه الرواية بأن الشعوب الأربعة الكبرى التى كانت تنزل جنوب بلاد العرب، ويدخل فيهم بطبيعة الحال بنو معين الذين يذكرهم مصدرنا أول ما يذكر، ثم سبأ والقومان الآخران، كان يحكمهم ملوك مطلقو السلطان (. . .)، ولا يمكن التخلص بأية حيلة مما قرره إراتوستينيس من قول لا يمكن تفنيده، وهو أن النظام السياسى لمعين وسبأ كان فى الوقت الذى كتب فيه المصدر الذى استقى منه هو النظام الملكى، ويكشف هذا القول أيضًا عما ينطوى عليه توكيد كليزر من قيمة (ويبر، المصدر المذكور، ص ٧ وما بعده)"إن الكتاب القدماء لا يذكرون أية مملكة فى أى موضع من مؤلفاتهم وإنما هم يذكرون دائما أرض بنى معين"؛ أو ما تنطوى عليه رواية ونكلر (المصدر المذكور، ص ٤٥) من حقيقة. ومفاد هذه الرواية أنه لم يكن ثمة معينيون فى شمال بلاد العرب فيما بين سنتى ٥٠٠ و ٣٠٠ ق. م ذلك أنه لم يقم أحد منهم هناك فى أى وقت من الأوقات، وكذلك لا أساس من الصحة لشكوك جريمه (المصدر المذكور ص ١٧) حول بنى معين الذين ذكرهم اليونان وهل كانوا هم القوم الذين نحن بصددهم والذين ورد ذكرهم فى النقوش.
وثمة أمر قاطع الدلالة فى نقض رأى كليزر (انظر هارتمان المصدر المذكور ص ١٣١ وما بعدها ١٣٦)، ذلك أننا نستطيع أن نستخلص على وجه اليقين من ذكر النقوش لملوك وممالك أنه كان ثمه ملوك لسبأ وملوك لمعين يحكمون جنبًا إلى جنب، (المصدر المذكور، ص ١٨) ثم إن الحجة التى ساقها كليزر وهى أن النقوش السبئية لم تذكر قط مملكة معين كما أن النقوش المعينية لم تذكر أبدا مملكة سبأ، قد حمل ويبر (كتابه المذكور ص ١٨) على الاعتراف بأن "بنى معين قد خرجوا بالفعل عن هذا الصمت العجيب فى مناسبتين أو ثلاث مناسبات" وأن بنى سبأ نحوا هذا النحو سواء بسواء. ولكن ذلك معناه استحالة قيام هذه النظرية بأى شكل من أشكالها.