بين الإنتقاض على المدينة والولاء لها. وأفلحت بفضل ما بشرت به من وحيها فى اجتذاب عشيرتى حنظلة (بنى مالك وبنى اليربوع) إلى صفها وجمعتهما تحت رايتها، وصحت نيتها على السير بهما لغزو المدينة، على أن سلطانها على بنى تميم كان فيما يظهر أكبر بكثير مما تلقيه فى روعنا هذه الرواية التى كانت تستهدف إلى الإقلال من نصيب عشيرتى بنى تميم فى الردَّة، ذلك أن سجاح لم تكن بالغريبة على بنى تميم، لأنها كانت فى الواقع من تلك القبيلة كما يستدل على ذلك من خاتمة حياتها، فقد كانت قد كسبت قبل موت الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بزمن وجيز على ما يرجح تأييد قبيلتها جميعا، تلك القبيلة التى كان دخولها فى الإسلام فى الغالب أمرا أملته عليها الضرورة، ومن ثم كان من السهل أن يتزعزع إيمانها.
وبدأت جيوش سجاح بالهجوم على بنى رباب استجابة لرؤيا رأتها، بيد أنها منيت بهزيمة منكرة، فلجأت إلى النباح (فى اليمامة) حيث منيت بهزيمة أخرى على يد بنى عمرو، فلم تجد بدًا من أن تعد بالرحيل عن بلاد تميم، وتبعها بنو اليربوع، فقررت أن تنضم إلى المتنبئ مسيلمة، وكان لا يزال مسيطرًا على معظم قبيلة يمامة، حتى تشاركه مصيره أو يبتسم لها الحظ من جديد وقد تلاقيا فى الأمواه، أو فى هجّر، وكان جيش المسلمين يهدد مسيلمة كما كانت القبائل المجاورة تهدد بتقويض سلطانه، ومن ثمّ كان وصول زميلة طامحة يائسة مغلوبة على أمرها على رأس أتباع مسلمين كثيرين بمثابة زيارة محفوفة بالمصاعب، بل خطرة فى الواقع. وليس لدينا وصف موثوق به عن هذا الاجتماع: ففى رواية أن هذين الشخصين العجيبين تفاهما، واعترف كل منهما برسالة الآخر، واتفقا على أن يوحدّا دينيهما ومصالحهما الدنيوية، وتزوجا فعلا، بل أن المتنبئة بقيت مع مسيلمة حتى ساعة وفاته المفجعة. ويحفظ لنا الطبرى تفصيلات عن هذا الزواج تتسم بالفحش، بل هى على الأرجح من نسج الخيال. ولا شك فى أن هذا القران كان أقرب إلى الحلف السياسى منه إلى الشهوانية. وقد