للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآيتان ٨، ٩) أن الجن كانوا يقعدون (كنا نقعد) بجوار السماء الدنيا ويستمعون (استمع، استرق السمع) هناك إلى الملأ الأعلى، وأنهم كانوا يطردون من مقعدهم بأن تتعقبهم مصابيح (مصابيح، شهاب) زينت بها السماء الدنيا، ولكنها كانت تطلق عليهم رجومًا بمعرفة الملائكة الحفظة (حرص، رصد، حفظ). وكان الشياطين قد جروا على الاستماع على هذا النحو بانتظام، ولكنهم الآن (سورة الجن الآية ٨، ٩) -ومن البين أن المقصود بالآن: منذ أن بُعث محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رسولا- قد وجدوا الملائكة خاصة واقفين لهم بالمرصاد. (انظر مناقشة ذلك بالتفصيل فى الكشاف ص ١٥٣٥ فى تفسير الآية ٩ من سورة الجن حيث استشهد الزمخشرى بأبيات من شعر القدماء عن أراء العرب فى هذا الشأن أيام الجاهلية). وكان هؤلاء العرب يعرفون مثل هذه الشهب كما كان لهم آراء فيها. على أنه لما ولد محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان شأن الملائكة قد ازداد زيادة عظيمة إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون قد استمر إلا مدة قليلة، لأن تاريخ السحر كله من بعد يمثل الجن دائبين على التسمع وعلى إبلاغ ما يسمعون إلى الكهان والسحرة. ثم إن الجن، (سورة سبأ، الآية ١٣) (١) لا يعلمون الغيب، أو قل أنهم على الأقل لا يعلمونه علم اليقين، وإن كان الجن الأشرار يوحون إلى أعداء النبيين ويضلونهم (سورة الأنعام الآية ١١١) (٢) وقد ورد فى القرآن الكريم (سورة الشعراء الآيات من ٢٢٣ - ٢٢٥) (٣) فقرة لها دلالتها تنبئنا كيف تنزل الشياطين على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون، وأن الشعراء يتبعهم الغاوون، فهم فى كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون. والمفسرون (البيضاوى، جـ ٢، ص ٦١، س ١٥ - ص ٦٢ س ٧، وقد عرض لذلك الكشاف عرضا أحسن من البيضاوى وأكثر تفصيلا، جـ ٢ ص ١٠١٢ - ١٠١٤)، يربطون ذلك -وقولهم فى هذا بيّن الصواب- بالجن يستمعون إلى حديث الملائكة، ويحرفونه ويخلطونه بالأكاذيب


(١) رقم الآية فى المصحف العثمانى ١٤.
(٢) رقم الآية فى المصحف العثمانى ١١٢.
(٣) رقم الآيات فى المصحف العثمانى هى ٢٢١ - ٢٢٦ [م. ع]