عصر الشعراء الجاهليين حتى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) تمثل عملية تراكم للأنماط، بمعنى أن كل نمط جديد كان بمجرد ظهوره يحل محل نمط آخر أقدم منه أو ينسخه، بل لقد كان الأمر على العكس من هذا، فقد تعايشت هذه الطبقات مدة طويلة على تفاوت فى ذلك؛ ولما ظهر الإسلام لم تنقرض بحال السنة القبلية لعرب الجاهلية التى تقوم على المعاملات والعادة، وهى السنة التى وصفها كولدتسيهر (جـ ١) وغيره (مثل بشر فارس: Les Arabes avant l'Islam، ياريس سنة ١٩٣٢ م). ومنذ أن أصبح الأدب الجاهلى آخر الأمر جزءًا من الآداب العربية الرفيعة لم تنس كل النسيان قط القيم الخلقية التى عبر عنها: وهى العِرض، والحماسة والروح القبلية، وإكرام الضيف والصبر والحلم والمروءة ومن البين أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم قد أحدثت كذلك تغييرًا أساسيًا فى القيم الخلقية التى أصبحت تقوم على ما إباحه الدين الجديد وعلى خشية الله والخوف من يوم الحساب، فالشفقة والعدل والرحمة والرأفة والسماحة والحلم والإخلاص والأخوة بين المؤمنين من الفضائل الجديدة التى حلت محل الأخلاق القبلية، وقد غدت هذه الفضائل أركان مجتمع أخلاقى أو قل أنها كانت على الأقل البرنامج المرسوم لهذا المجتمع.
واتسع الخلق الدينى القرآنى من بعد وفصَل تفصيلاً ضافيًا، فعل ذلك المحدثون فى صورة الأحاديث التى تعتمد صراحة على السنّة او قل الخلق الكامل للرسول، وأكملوا فى كثير من الأحيان هذا المصدر بأحاديث الصحابة واقتباس مواد من المأثورات الثقافية للديانات القديمة. ولا نستطيع أن نقدر ما للحديث من شأن فى تكوين المثل الأخلاقية العامة للجماعة الإسلامية والمحافظة عليها فى كل العصور وفى جميع الأقطار. زد على ذلك أن الحديث كان أكبر دعامة للهيكل الخلقى للفقه الإسلامى النامى، وهو الذى قامت عليه أركان عملية التوحدَ التى أشرنا إليها