المنكرة للجبر عند المعتزلة وما أعقبها من إصرار متكلمى المعتزلة على الحكم الخلقى على الأشياء والمسؤولية الشخصية قد أثارا مناقشة واسعة فى هذه الموضوعات وتحليلًا لها، وبفضل هذه الحركة المعتزلية التى اتصلت بدورها بالفكر اليونانى والكتب اليونانية المتأخرة التى تدافع عن المسيحية، وبفضل ردّ أهل السنة عليها مهد الطريق لتقبل الأخلاق الفلسفية اليونانية وأصبح ذلك ممكنًا. ونجد من جهة أخرى أن حركة الصوفية المناهضة للعقل والموسومة بالزهد قد استحدثت نمطًا من الأخلاق الإسلامية مختلفًا بعض الاختلاف، واستطاع هذا النمط أن يكون له سلطان متزايد حتى لقد أوشك آخر الأمر أن يسيطر على العالم الإسلامى. وغدًا الفقر وإذلال النفس والإنكار المطلق للذات هى أرفع القيم فى الحياة عند دعاة الصوفية. وحسبنا فى هذا المقام أن نذكر إمامًا من أئمة الكتاب الصوفية المتقدمين وهو المُحاسبى المتوفى سنة ٢١٣ هـ (٨٥٧ م) الذى كان له أثر حاسم فى الغزالى حين جعل الغزالى التصوف جزءًا ثابتًا من الأخلاق الإسلامية فى كتابه العمدة "إحياء علوم الدين" (انظر M. Smith: An Early Mystic of Baghdad لندن سنة Journ. of the Royal As. soc ١٩٣٥ م وسنة ١٩٣٦ ص ٦٥).
٤ - لقد كان دخول الفكر الفارسى الأخلاقى فى التراث الإسلامى سابقًا على معرفة المسلمين للأخلاق عند اليونان. وخير ممثل للفكر الفارسى المذكور هو ابن المقفع؛ وإذا صرفنا النظر عن كتابه "كليلة ودمنة" الذى يستأهل الذكر فى هذا المقام، فإن معظم هذا الفكر الفارسى نجده فى كتابين ينسبان إليه:"الأدب الكبير" (انظر الترجمة الفرنسية بقلم C. F. Detsree, بروكسل سنة ١٩٠٢ م، نقلا عن الترجمهَ الهولندية التى قام بها C'- van Vloten` الترجمة الألمانية بقلم i cher فى tal. Sprachen, Westasiat. St alien, سنة ١٩١٧) م و"الأدب الصغير"(الترجمة الألمانية بقلم، سنة ١٩١٥ م)، وقد شك فى صحة نسبتهما إليه وإن كان لم ينكر هذه النسبة كل من ريختر