وشيكا فى طور الاضمحلال وأقفرت البلاد من أهلها، ويرجع ذلك إلى تغيير البرتغاليين طريق التجارة مع جزائر الهند، على أن الفتوحات كان لها مع ذلك شأن عظيم جدا فى توجيه الدولة التركية من الناحيتين الدينية والسياسية، فقد أصبحت تركية منذ ذلك الحين الدولة السنية التى تقابل دولة فارس الشيعية (انظر مثلا القصيدة التى نظمها فى مديحه الشاعر خواجه الإصفهانى فى ALiterary History of Persia in Modern Times: Browne، كمبردجـ ١٩٢٤، ص ٧٨)؛ وقد أخذ نفوذ الشيعة الفرس أيضا ينقاد بلا مراء لنفوذ أهل السنة من العرب (Babinger: Z.D.M.G جـ ٧٦، ص ١٤٣)؛ ثم إن العثمانيين فرضوا بعض شمائلهم وعاداتهم على أهل البلاد التى فتحوها مثال ذلك عادة حلق اللحية (ويصور سليم دائما بغير لحية) والزى وطريقة قص الشعر، على أنهم لم يؤثروا آنئذ تأثيرا كبيرا فى حضارة الشام أو حضارة مصر.
وذاع صيت سليم أيضًا فى قرض الشعر، و"ديوانه" كله منظوم بالفارسية، وقد طبع فى الآستانة سنة ١٣٠٦ هـ؛ ثم نشر مرة أخري فى برلين سنة ١٩٠٤ على يد هورن Paul Horn بأمر من الأمبراطور ولهلم الثانى؛ وليس بين الأشعار التركية التى نسبت إليه (تذكره لطيفى، الآستانة ١٣١٤ هـ، ص ٧٥ وما بعدها) وكان سليم مشغوفا منذ أيامه الأولى فى طرابزون بصحبة الشعراء، ومن أشهرهم جعفر جلبى، وقد حمله سليم على الاقتران بزوجة الشاه إسماعيل الذى أسره فى وقعة جالديران وقتله سنة ١٥١٥ (انظر ما تقدم)، ومنهم أيضا آهى وروانى، وقد أهديا ديوانهما "مثنوى وسائل" إلى سليم. ونذكر من أصحاب النفوذ الآخرين فى عهده كمال باشا زاده والمفتى على جمالى أفندى وقد أفتى بشرعية الحرب التى شنت على سلطان مصر السنى، وكان من الرجال القليلين ذوى النفوذ الذين عارضوا فى عدة مناسبات تنفيذ أوامر السلطان القاضية بسفك الدماء.