للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التى تضمنتها هذه الرسائل على قدر ما أمكننا تحقيقه، مستمدة من موْلفات القرنين الثامن والتاسع الميلاديين. ونزعتهم الفلسفية هى نزعة قدماء مترجمى الحكمة اليونانية والفارسية والهندية وجامعيها الذين يأخذون من كل مذهب بطرف. ويستشهدون فى هذه الرسالة بهرمس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون أكثرمن استشهادهم بأرسطو طاليس، ذلك أن أرسطو عندهم أقل مقاماً من هؤلاء فهم يعدونه منطقياً ومؤلفاً لكتاب "أثولوجيا" الأفلوطينى و"كتاب التفاحة". ولا نجد فى رسائل إخوان الصفاء أثراً للفلسفة المشَّائية الحقيقية التى بدات بظهور الكندى. ومن خصائص نزعتهم الفلسفية أنهم لم يأخذوا شيئا من الكندى، ولو أنهم أخذوا من أحد تلاميذه الذين انحرفوا عن مذهبه، وهو المنجم البهرج أبو معشر المتوفى عام ٢٧٣ هـ (٨٨٥ م). وليس معنى ذلك أنهم لم يكونوا على دراية بمصنفات الكندى ومدرسته. وتدلنا الترجمة اللاتينية التى كتبت فى القرون الوسطى للرسالة الثالثة عشرة على أنها من تأليف "محمد تلميذ الكندى" (انظر T.٧. de فى. f Gesch. d. Philns ج ١٣، سنة ١٨٩٩ م ص وما بعدها).

وقد أخذت هذه الرسائل من كل مذهب فلسفى بطرف. والمحور الذى تدور عليه هو فكرة الأصل السماوى للأنفس وعودتها إلى الله، وقد صدر العالم عن الله، كما يصدر الكلام عن المتكلم أوالضوء عن الشمس؛ ففاض عن وحدة الله بالتدرج: العقل. ومن العقل النفس ثم المادة الأولى، ثم عالم الطبائع، ثم الأجسام، ثم عالم الأفلاك، ثم العناصر، ثم مايتركب منها وهى المعادن والنبات والحيوان. والمادة فى هذا الفيض تبدو أساساً للتشخيص ولكل شر ونقص. وليست النفوس الفردية إلا أجزاء من النفس الكلية، تعود إليها مطهرة بعد الموت، كما ترجع النفس الكلية إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى بارئها البعث الأكبر.