قد شرعوا فى التمرد قرب باب أدرنة، ورفضوا أن يسمحوا للسلطان الجديد بدخول قصره حتى يعدهم بإجابة ما طلبوه من زيادة العطايا التى منحت لهم بمناسبة اعتلائه العرش. ووزعت هذه الزيادة عليهم فى ١٠ ديسمبر، وقد منح العلماء، وخاصة المفتى أبو السعود، عطايا جزيلة عدا ما نال الإنكشارية منها، فلم يبق فى الخزانة ما يكفى لدفع أعطيات الجند الآخرين.
وعاد سليم فدخل قصره، وانغمس فيما كانت تصبو إليه نفسه من معاقرة بنت الحان والإفراط فى الملذات، تاركا الحكم فى يد محمد صوقوللى، وكان صوقوللى هو الذى جرى طوال عهد سليم على سنن عصر سليمان الزاهر، وحسبنا أن نذكر فى هذا المقام ملخصا وجيزا للأحداث السياسية والعسكرية التى وقعت فى عهد سليم الثانى: عاد القبودان باشا بياله بالأسطول فى أبريل بعد أن تم له الاستيلاء على ساقز (خيوس) ونهب أبوليا فانعم عليه بلقب وزير، وبدأت فى الوقت نفسه المفاوضات مع النمسا وكان من نتيجتها أن جاء السفراء المفوضون للبحث فى الصلح الذى كان قد تم فى أدرنه فى ١٧ فبراير سنة ١٥٦٨ بين مكسيميليان والسلطان. وقد وعد الإمبراطور، علاوة على موافقته على تعديل الحدود، بأداء هدية سنوية قدرها ٣٠.٠٠٥ دوكات، وفى الشهر نفسه جاء وفد فارسى فى موكب حافل إلى أدرنة ليجدد الهدنة، وكذلك تأيدت العلاقات السلمية التى كانت قائمة بين تركية وبولندة ثم بينها وبين فرنسا والبندقية وجددت الامتيازات التى منحتها فرنسا والبندقية، وشنت تركية فى سنة ١٥٦٩ الحملة على أستراخان وهى الحملة التى باءت بالخيبة والتى كان غرض الترك منها أن يحققوا مشروع شق قناة تصل نهر الطونة بنهر الفولجا وكان جركس كاظم والى كفه، هو الذى وضع هذا المشروع، ولكنه لم يكتب له النجاح، ومعظم السبب فى ذلك راجع إلى معارضة خان التتر له فى السر. وعقد الصلح فى السنة التالية مع الروس؛ وانشغل جيش تركى من سنة ١٥٦٨ إلى سنة ١٥٧٠