من برع فى الطب ونظر فى علم النجوم وحساب السنين والأيام.
أما من جهة الورع، فقد كان أول من امتطى الفرس للجهاد فى سبيل الله ضد أحفاد قابيل المفسدين. ومن جهة النبوة، كان أول من نزل عليه جبريل [عليه السلام] بالوحى. ويروى أن ثلاثين صحيفة أوحيت إليه على هذا النحو. ويمكن الرجوع إلى تاريخ ابن القفطى خاصة (طبعة ليبير ص ١ وما بعدها) إذا أردنا أن نتتبع أعماله باعتباره نبيًا وملكًا. وسمى إدريس [عليه السلام] لغزارة علمه بما نزل من الوحى قبله، وهو علم توصل إليه بالدرس الكثير، ولكن دراية البيضاوى بفقه اللغة العربية جعلته ينكر اشتقاق إدريس [عليه السلام] من الدرس، ولو أن هذا الاشتقاق ممكن فى أخواتها من اللغات. ولابد أن ورعه قد أثار إعجاب الملائكة، فقد سأل ملك الموت الله أن يزور إدريس، فجاءه على صورة إنسان ودعاه فى الليل إلى مائدته، ولكن إدريس [عليه السلام] أبى، فكرر ملك الموت دعوته تلك مرتين متتاليتين، وهى المرة الثالثة سأله ادريس [عليه السلام] عن شخصه، فلما أجابه طلب إليه إدريس أن يقبض روحه فقُبض ساعة من الزمن، ثم استردها مرة أخرى، ثم طلب إليه كذلك أن يرفعه إلى السماء ليراها ويرى الجنة، فلما بلغ الجنة أبى أن يخرج منها وتعلق بنخلة واعتصم بآيتين من القرآن أولاهما {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وقد ذاقه هو من قبل، والثانية {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} ولذلك فقد تشبث هو بالبقاء فى الجنة فأبقاه الله فيها، وسيعود منها إلى الأرض ثانية. وكما يعيش هو وعيسى [عليه السلام] فى السماء خالدين، يعيش الخضر وإلياس [عليه السلام] خالدين فى الأرض.
والذى يجعل إدريس [عليه السلام] فى هذه القصة بطلًا من أبطال الأسطورة الشمسية هو أن روحه قبضت عند مغيب الشمس. ونجد فى رواية أخرى لهذه القصة عدة نواح تشير إلى صلته بالأسطورة الشمسية. ففى ذات يوم -أثناء رحلة له- اشتدت عليه حرارة الشمس، فسأل الله أن يخفف وطأتها رحمة بالذى يطوى كل يوم رحلة قدرها خمسمائة سنة تحت هذه