وعلى هذا النحو اكتسبت هذه الكلمة معنى المقياس والقدوة. ويؤثر عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال عندما كان يضع هذه الأسس والقواعد: "صلوا قبل صلاة المغرب، قال فى الثالثة "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة"(البخارى، كتاب التهجد، الباب ٣٥).
ويقابل السنة من حيث إنها تدل على ما أثر عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من قول أو فعل، البدعة (الترمذى، كتاب العلم, الباب ١٦). وسنة النبى بمعنى أنها قوله أو فعله أو تقريره قد تحددت شفويا وكتابة فى الحديث. والسنة من حيث النظر منفصلة عن الحديث، أما من حيث العمل فكثيرا ما يتفقان، ولعل السبب فى ذلك أن مجاميع الحديث تعنون باسم "سنن"(مثال ذلك مجاميع أبى داود وابن ماجة والنسائى).
وإذا أردنا أن نفهم المعنى النظرى والعملى للسنة فى الإسلام وجب أن نذكر أن القرآن الكريم وإن كان مصدرا استقى منه كثير من السنن فإن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد قضى فى كثير من المسائل لا عن طريق الوحى وإنما بحسب الحالة التى تعرض له؛ وكانت أقوال النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأفعاله تعتبر "سنة حسنة" ومن ثم رتبت وتحددت كتابة وإن لم تعادل فى صيغتها القرآن الكريم فى حجيته وشرعيته. والحديث نفسه يفسر هذا الجانب من سنة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى الأحاديث التالية.
"جاء ناس إلى النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة"(مسلم، كتاب الإمارة، الحديث ١٤٧). "إن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن وعلموا من السنة"(البخارى، كتاب الرقاق، الباب ٣٥). وقال عمر بن الخطاب:"إنه سيأتى ناس يجادلونكم شبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللَّه"(الدارمى، المقدمة الباب ١٦).
ونجد فى القرآن الكريم نفسه إشارات إلى أهمية سنة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مثل الأمر بالإيمان باللَّه ورسوله (سورة الأعراف، الآية ١٥٨؛ سورة التغابن، الآية ٨) ودعوة إبراهيم عليه السلام عندما أقام البيت فى مكة: {رَبَّنَا