وكان سهل بن هارون من أنصار الشعوبية المتعصّبين ولا شك أنه نال بفضل ميوله هذه الحظوة لدى يحيى البرمكى الذى يمتدح زهده وعفته فى بعض أبيات من الشعر استشهد بها الناس كثيرًا، وقد أكسبته هذه الميول نفسها الحظوة لدى الخليفة المأمون فيما بعد (انظر القصة التى رواها الحصرى، المصدر المذكور)؛ ويعد سهل، هو وابن المقفع وغيرهما من الكتاب، من أصحاب التواليف الذين واصلوا الرواية الفارسية فى التصانيف العربية؛ وقد ذاع صيت سهل فى عالم التأليف على عهده بفضل نوعين من الإنتاج الأدبى: فقد كتب كتاب ثعلة وعفرى (كذلك ورد اسمه فى الفهرست؛ وتختلف المصادر الأخرى اختلافا كبيرا فى رسم هذين الاسمين)، وهو يقلد فى مؤلفه هذا كتاب الخرافات المشهور كليلة ودمنة ذلك أنه ينطق الحيوان كما أنه يقسمه إلى أبواب على غرار كليلة ودمنة وينقل الحصرى (المصدر المذكور) شواهد قليلة من هذا الكتاب؛ وكان سهل إلى ذلك مشهورا بمدحه البخل والبخلاء، ولم يصل إلينا من مصنفاته إلا "رسالة البخلاء"، وقد وردت فى صلب كتاب العقد الفريد (جـ ٣، ص ٣٣٥ وما بعدها) كما وردت فى صدر كتاب البخلاء للجاحظ؛ ويدافع سهل فى رسالته هذه عن البخل، أو على الأصح يدافع عن الاعتدال الحكيم والاقتصاد، وهو الصورة المعقولة من صور البخل كما يقول الجاحظ؛ والرسالة مهداة إلى أولاد أخى سهل الذين لاموه على بعض ما قال فى مدح البخل؛ والأرجح أن هذه الأقوال وردت فى كتاب ثعلة وعفرى كما توحى بذلك الفقرة التى تقدم بنا ذكرها من كتاب الحصرى؛ وكان سهل (على ما يقول الجاحظ فى كتابه "البخلاء" ص ١١٤) هو وأبو رحمان الثورى أول من خصوا البخل بكتاب، وقد نحا بعض الكتّاب من بعد هذا المنحى, مثل الجاحظ نفسه. ويرى كولدسهير Goldziher فى مدح سهل للبخل حملة شعوبية على تلك الفضيلة القومية التى اشتهر بها العرب وهى الكرم؛ ويقال إنه أراد بذلك أن يظهر مقدرته الأدبية؛ وثمة قصة تقول إن الوزير الحسن بن سهل كان قد تلقى من سهل رسالة فى البخل أهداها إليه،