أن تشترى من السودان الذهب والعاج والعبيد وتعطيهم نظير ذلك المنسوجات والنحاس والأدوات. وظل هذا الاتصال الذى كان يتم عن طريق النيل أو عبر الصحراء قائمًا فى العهدين اليونانى والرومانى، ثم تولاه العرب بعد أن فتح المسلمون شمالى إفريقية ودخل أهلها فى الإسلام. وما إن انتهى القرن السابع الميلادى حتى كان المسلمون فى مصر وإفريقية والمغرب يؤمون أسواق السودان الكبرى. بل إن بعضهم استقروا فيها وعملوا مراسلين أو وكلاء لمواطنيهم من سكان سواحل البحر المتوسط. على أنه يتضح لنا من أقوال كتاب العرب الذين زودونا بأقدم الإشارات عن بلاد السودان أن هؤلاء المسلمين كانوا يهتمون بالتجارة وأن الإسلام لم يبدأ فى الانتشار بين السودانيين إلا فى القرن الحادى عشر الميلادى. صحيح أن بعض الروايات تذهب إلى أن الفاتح عقبة بن نافع قد بلغ بلاد السودان، إلا أن هذه الروايات موضع شك.
ومهما يكن من شئ فإنه لا ينبغى لنا أن نستخلص من ذلك أن هذه الأقطار كانت خالية من الحضارة أو أنه لم يكن بها نظام سياسى بالمعنى المفهوم فى القرن الحادى عشر الميلادى. ذلك أننا نجد إلى جانب الأمراء الذين حكموا أجزاء مختلفة من الأراضى السودانية ودخلوا فى الإسلام منذ القرن الحادى عشر الميلادى، أمراء آخرين لم يدخلوا فى هذا الدين، كما أننا لا نستطيع أن نقول إن الإسلام قد دخل فى جميع البلاد السودانية. والحق أن عددًا من الدول الإسلامية يشمل أهمها وأعظمها شأنًا، قد حكمت حكما حسنا قبل أن يبدأ أهلها فى اعتناق الإسلام، كما أن هذه الدول كانت قد بلغت من قبل سلطانًا ومجدا، وكان هذا السلطان والمجد كبيرين فى بعض الأحيان، ووجدت فيها نظم أقبل عليها حكام المسلمين فيما بعد واصطنعوها راضين، حتى فى تلك الممالك التى كانت على وثنيتها، وهى من قبيل ما تحدث عنه البكرى منذ عدة قرون عند كلامه على مملكة غانة الوثنية.
وكان الاعتقاد الذى اعتنقه السودانيون جميعا من قبل ولا زال