عدة مساوئ، فقد كان النظام المالى فاسدًا جائرًا. وأشرف السكان على الخراب. وكان الإشراف على الإدارة من القاهرة غير فعال، وظل مشروع الإصلاح الإدارى والمالى الذى وضعه الخديو سعيد باشا سنة ١٨٥٧ مهملا لا يرجى له تنفيذ. وقد أوقفت أشد هذه المساوئ وبالا فى عهد ولاية غوردون، غير أن مسلكه الصلب فى موضوع الرق أثار العداوة. فلما استقال غوردون من منصبه عام ١٨٨٠ كان السودان قد نضج كل النضوج للثورة، واشتعل السخط العام عندما ظهر زعيم جمع طوائف الساخطين على اختلافهم تحت راية الدين، وقد برهن هذا الزعيم على قداسة رسالته بتلك الانتصارات التى أحرزها أتباعه القليلو العدة على قوات الحكومة.
وبدأت قوات بريطانيا العظمى ومصر تعيد سنة ١٨٩٦ فتح الأقاليم التى فقدتها. وقد تحقق هذا الهدف العسكرى بهزيمة جيش الدراويش عند أم درمان (وقعة كررى kerreri فى ٢ سبتمبر عام ١٨٩٨). وأصبح السودان المصرى الإنجليزى بمقتضى الاتفاق المؤرخ فى ١٩ يناير سنة ١٨٩٩ يحكم حكما ثنائيا تشترك فيه بريطانيا العظمى ومصر، وتأكد هذا الوضع بمقتضى المعاهدة المصرية الإنجليزية التى أبرمت سنة ١٩٣٦.
وقد اضطلعت الإدارة الجديدة بالإشراف على بلاد أصابها الدمار والخراب فقد كان عدد السكان قبل الثورة المهدية حوالى ٨.٥٠٠.٠٠٠ نسمة، ويقدر عدد من هلك منهم بفعل الجوع والمرض بحوالى ٣.٥٠٠.٠٠٠، ومن قتل فى معارك هذه الحرب الضروس بقرابة ٣.٢٥٠.٠٠٠ نفس، وأعقب ذلك عهد انقضى فى التعمير والإنشاء البطئ المتمهل بتوجيه السير ريجنالد وينجيت Reginald Wingate الذى خلف اللورد كتشنر Lord Kitchener فاصبح قائدًا عامًا سنة ١٨٩٩. وقد أثار الأمن الداخلى كثيرًا من المشاكل بفعل القبائل الثائرة التى لم يكن لها من قبل قط عهد بالإدارة المتحضرة وبفعل ما اكتنف الأحوال من خطر قيام الفتن يشعلها المتعصبون بوحى من السنن المهدية. على أن البلاد سارت فى طريق