للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأما مثال ما نشكوه من عدم إلمام الكاتب بما تقرر واضحا فى بعض ما يخص سور القرآن فهو قوله "وكذلك لم يحدد ترتيب السور تحديدًا دقيقًا. فإن المقرر بوضوح فى شأن ترتيب السور فى المصحف هو أن جمهور العلماء على أن ترتيب السور اجتهاد من الصحابة؛ وأن ذلك الترتيب قد وكل إلى الأمة بعد الرسول عليه السلام، ولم يتول ذلك بنفسه -راجع صفحات ٧٢، ٧٧, ٨٧ من الجزء الأول من الاتقان فى علوم القرآن للسيوطى - طبعة سنة ١٢٧٨ هـ - كما يتردد هذا المعنى فى غير هذه المواضع من الحديث عن جمع القرآن وترتيبه.
وإذا كان المقرر فى ترتيب السور هو ماسمعناه من تركه للاجتهاد، وتفويض أمره للأمة، فهل يوقف بعد هذا عند تحديد الترتيب تحديدًا دقيقا! !
على أن الكاتب لا يلبث أن يتبع هذا بقوله: "ولو أننا نلاحظ أن النسخ المختلفة قد أخذت بقاعدة واحدة فى الترتيب"، وهو كلام يتبين من المراجعة القريبة لترتيب مصاحف بعض الصحابة الذى نقل إلينا أنه ليس أخذا بقاعدة، بل إن القول بالقاعدة فى هذا الترتيب قول غير دقيق، وإنما الذى قالوه: إن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها فى حياة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، كالسبع الطوال، والحواميم؛ والمفصل، وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
هذا أول ما نشكو من عدم إلمام الكاتب بالمقررات الواضحة، فيما عرض له، وأما ما نشكوه من وهن المنهج العلمى للكاتب فمثل قوله: والقرآن المعتمد يحتوى ١١٤ سورة، ثم قوله بعد ذلك: إن السورتين الأخيرتين لم يردا فى مصحف ابن مسعود، وأن أبيا قد زاد سورتين على السور، فإنه متى كان هناك ما يعتد به وما هو إجماع. وقد اتخذ مصحف إمام فى هذا الشأن فلا معنى للتحكك فى مثل هذه الأشياء التى كتبها أفراد من الصحابة لأنفسهم. وهنا نلفت إلى أن أبيا وابن مسعود لم يجمعا القرآن بل كتبا لأنفسهما مصحفا. وعملية جمع القرآن إنما تمت بلجنة مؤلفة من اثنى عشر صحابيا على عهد عثمان، وبنظام له دقته، فليس عمل أبى، ولا عمل ابن مسعود ولا عملى مثلا يسمى جمعا للقرآن. وليس عجبا أن يفوت واحدًا من الصحابة شئ من أمر القرآن أو القراءة، أو الترتيب أو ما إلى ذلك، وقد نقل مثل هذا فى غير مناسبة، ومثله لا يكون سببا لشئ من الحكم على دقة جمع القرآن أو التساهل فيه مطلقا، لأن هناك إجماعا، ونقلا متواترا.
ومن وهن المنهج الواضح أن يتقدم رجل غريب من لغة غرابة نائية ليحكم على نص منها حكما أدبيا نقديا تذوقيا كالذى فعل كاتب المادة.
وأوضح الوهن فى المنهج قوله: وقد كان ثمة شئ من التسهل فى جمعه، أى القرآن، أول الأمر مع أن عمل ابن مسعود فى عدم كتابة المعوذتين فى مصحفه الخاص به وكتابة أبى القنوت فى آخر مصحفه الخاص به لا صلة لهما بجمع القرآن فى شئ، ومع أن أخبار الدقة فى الجمع والتحرى فيه والاحتياط له، والخوف من يذهب شئ من القرآن إلخ قد سارت بها الروايات، وهى الأمور التى لا يمكن الحكم على الجمع إلا بها؟ !
وما فى الأمر إلا الوهن المنهجى الأكبر، وهو دخول ميدان البحث بعقيدة معينة، وعصبية متغلبة، وتطويع نتائج البحث الدراسى لتلك الأحوال النفسية، بل تسخير الدرس كله فى أساسه وهدفه لخدمة هذه الأهواء المسيطرة، ونقول كما أدبنا القرآن. . سلاما. أمين الخولى.