ويحيط بمكان وفاته أيضًا بلبلة واضطراب، على أن خير المصادر تقول إنه توفى بساوة. وذكر الخطيب صاحب تاريخ بغداد عن ابن دريد أن سيبويه مات بشيراز وقبره يقوم فيها. ونحن إذ نعلم أن ابن دريد عاش عدة سنوات فى فارس فضلا عن أنه يعد خير راوية لعلوم البصريين، فإنه يصح لنا أن نذهب دون أن نخشى الزلل إلى أن روايته هى الرواية الصحيحة.
وسيبويه من شيوخ الأئمة فى العلوم العربية، وحسبنا أن كتابه الذى كان ثمرة لقريحة رجل لم يطل به العمر قد لقى مثل هذا الإقبال من الناس عامة، ذلك أن فقهاء العرب قد درجوا دائمًا على التعظيم من شأن الكتب التى ألفها أناس من ذوى السن العالية. وما من ريب فى أن المناظرة التى عقدت بين سيبويه والكسائى فى حضرة الوزير يحيى بن خالد البرمكى المتوفى سنة ١٨٢ هـ عن المسألة الزنبورية قد وقعت بعد وفاة الخليل، وانتصر الكسائى على سيبويه بمراجعة عربى، ولعل الكسائى، عدو سيبويه الذى لا يعرف وازعًا من ضمير، واشترى العربى بالمال، وتلقى سيبويه جائزة سنية من يحيى، ولكنه وجد موجدة عظيمة لما لحقه من هزيمة، وقصد بلده ولم يعد إلى العراق قط، ويقال إنه توفى بها من الغم والكمد.
وقد أودع سيبويه ثمرة دراساته كتابًا كبيرًا فى النحو العربى (قدره أصحاب كتب الطبقات بألف ورقة). ولا يعد هذا الكتاب أكبر مؤلف فى بابه وصل إلينا عن علم البصريين فحسب، بل هو قدأصبح أيضًا، منذ تأليفه، عمدة جميع الدراسات العربية فى النحو، وكان يعرف تشريفًا له بالكتاب وحسب. وقد درس سيبويه كما ذكرنا على الخليل، ولكنه أفاد من دروس يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وأبى الخطاب الأخفش. ويقال أيضًا إن الفقيه النحوى أبا زيد الأنصارى قد زعم أنه هو الذى يعنيه سيبويه إذ يقول فى كتابه "حدثنى من نثق به" على أن الرواية المتواترة تقول إن المقصود هو الخليل. ونحن لا يسعنا إلا أن نغلب هذه الرواية على الروايات المفردة التى ساقها كتاب السير بما يخالف ذلك. ومهما يكن من شئ فإن هذه الروايات