ويظهر أن الشاذلى لم يكن يرمى إلى تأسيس طريقة بالمعنى الذى اقترن بهذه الكلمة فيما بعد، فقد كان يريد من تلاميذه أن يمضوا فيما كانوا عليه من حرف ومهن قبل التتلمذ عليه، وذلك بأن يقرنوا ما يكونون فيه من أعمال بالذكر ما أمكنهم، وتحكى حكايات عن قوم عرضوا عليه أن يتركوا أعمالهم ويصحبوه لكنه أمرهم أن يستمروا فيما هم فيه. وكان التسول مذموما عند الشاذلية، بل هم كانوا، فيما يروى، لا يقبلون عون الحكومة لأماكن اجتماعهم.
والواقع أن إقامة زوايا أو ما يشبهها لم يكن فى ذهن الشاذلى ولا خليفته أبى العباس. وقد مدح أبا العباس أحدُ مترجميه بأنه لم يضع حجر، على حجر قط. ولم يكن الشاذلية يرفضون تولى المناصب الكبيرة ذات الرزق الوفير ولا حياة الترف، وهذا المبدأ، كما سيتبين فيما يلى، ظل حيا بين أتباع هذه الطريقة إلى يومنا هذا.
ولا شك أن الفناء فى اللَّه كان هو الهدف الأسمى الذى يرمى إليه الشاذلى كغيره من الصوفية، وكان الطريق الذى اتبعه فى الوصول إليه هو الطريق المألوف: الأوراد والأذكار، وكانت تختار لذلك، كما هى العادة، صيغ معينة لا بد أن تردد مرات محددة. وفى كتاب المفاخر (ص ١٢٥ وما بعدها) ثبت بهذه الأدعية وما يحيط بها من تعبدات. ويحكى أن الشيخ كان يراعى فى إرشاده حاجات كل مريد من مريديه ويسمح له بأن يتبع شيخًا آخر إذا كان يرى أن طريقته أقوى تأثيرًا فى تربيته. على أن أداء هذه الأوراد والأذكار لا يمكن أن يفترق بسهولة عما يرتقب من وقوع الكرامات التى بينت فى كتاب المفاخر (الموضع المذكور):
"إن أدنى رسل الشاذلية لمن عاداهم العمى والكساح وخراب الديار" ولكن كان ثمة شك فى جواز إرسالهم هذه البلايا على أعدائهم.
وإذا نحن صرفنا النظر عن هذا العلم الخفى فإن شيوخ الطريقة الشاذلية