يلبثوا ان أستانفوا مرة أخرى المشروع الذى بدأه عبد الحميد، ألا وهو صبغ سورية بالصبغة التركية، وشنوا حربا أكثر تنظيما وأشد دأبا على كل عربى جنسا أو لغة، وأصروا فى كل مكان، فى البرلمان وفى دواوين الحكومة، على استخدام الترك فحسب، وأقصوا السوريين عن المناصب الكبرى والقيادات العسكرية الهامة. وأدت هذه السياسة المثيرة للخواطر إلى توحيد المسلمين والنصارى فى سورية للمرة الأولى، وأيقظت بين الأهلين جميعا الرغبة فى التفاهم على سياسة عامة والقيام بعمل مشترك، وانحصرت مطالبهم فى المناداة بإصلاحات تتسم باللامركزية، فقد طالبوا بأن يؤخذ بعين الاعتبار فى توزيع المناصب العامة التقدم الذى بلغته سورية أكثر ولايات الإمبراطورية التركية تحضرا، وأن يراعى فى فرض الضرائب وإنفاقها حاجات أهلها، ورأوا أن الوقت قد حان لمنح سورية ضربا من الاستقلال الذاتى فى إدارة شئونها. وكان إصرار رجال حزب مصر الفتاة على رفض هذه المطالب المعتدلة هو الذى مهد السبيل إلى الآراء الانفصالية، وأقنع الوطنيين السوريين فى النهاية بألا مخرج لهم إلا بالاعتماد على جهودهم هم أنفسهم وعلى عطف أوربا.
وفى ٢٩ أكتوبر سنة ١٩١٤ دخلت تركية الحرب العظمى الأولى، وبدأت بوأد الاستقلال الذاتى الذى كانت تنعم به لبنان فى إدارة شؤونها، وفرض وال تركى عليها. وقبض جمال باشا بيده على زمام الحكم فى سورية جميعا وخول حق التصرف بما يراه. وبادر من فوره بشنق زعماء الوطنيين السوريين سواء كانوا مسلمين أو نصارى وبعث مئات آخرين إلى المنفى. ولم يلبث القحط والمرض أن حصدا الأهلين، وخاصة سكان لبنان. وشرع جمال باشا، ذلك الوالى العالى الهمة المدعى الذى راح يحلم بفتح مصر بالهجوم على قناة السويس (فبراير ١٩١٥) هجوما منى بخيبة مرة. وبعد أن رد الانجليز هجومه الثانى (أغسطس