يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}؛ وسورة المائدة، الآية ٤٨ (مدنية، وربما كانت من أول الفترة المدنية): {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}. وكلمتا "شريعة" و"شرعة" فى هذا المقام لم تكونا قد أصبحتا بعد من المصطلحات.
ومن التعريفات القديمة للفظ "شريعة" ما يذكره الطبرى فى تفسير سورة الجاثية الآية ١٨ من أن الشريعة هى "الفرائض والحدود والأمر والنهى". أما فى المذاهب التى جاءت بعد ذلك فيفهم من "الشريعة" و"الشرع" جملة أحكام اللَّه المتعلقة بأفعال الإنسان، ومن هذه الأحكام يستبعد ما يتناول الأخلاق ويسمى "الآداب"، وعلم الفقه (هو وعلم التفسير وعلم الحديث، والعلوم المساعدة له) هو علم الشريعة أو علم الشرائع. ويمكن فى بعض الأحيان أن يستعمل مرادفا لعلم الشريعة كما أن "علم أصول الفقه" يسمى أيضًا "علم أصول الشرع". ويرى أهل السنة أن الشريعة هى منشأ الحكم على الأفعال بأنها حسنة أو قبيحة، ومردّ هذا الحكم عندهم إلى اللَّه وحده، على حين أن الحكم على الأفعال بأنها حسنة أو قبيحة فى نظر المعتزلة إنما يأتى مؤيدا الحاكم العقل السابق على الشرع.
والشريعة من حيث هى المحكمة الظاهرة Forum externum لا تضع القواعد إلا للعلاقات الظاهرة التى تربط المكلَّف باللَّه وتربطه بابناء جنسه، وهى لا تتناول باطنه، أى موقفه أمام المحكمة الباطنة (١) Forum internum، فالنية نفسها مثلا، مع أنها أمر مطلوب فى كثير من العبادات، لا تتضمن الباعث الباطنى من القلب. والشريعة إنما تطالب بأداء الواجبات الظاهرة المفروضة، وهى لا تنظر إلا إلى أدائها، وعلى هذا فإن الشريعة، والحكم على الأفعال بالاستناد إليها، وكذلك القضاء الذى لا يجاوز الواقع الظاهر، كل ذلك يجئ فى مقابل ما يكون فى قلب الإنسان وما يحس بأنه مسئول عنه شرعًا (وهذا ما يسمى الديانة والتنزه) وما يكون بينه وبين اللَّه، ولذلك فإن أهل الأرواح المتدينة، كالغزالى، عارضوا المبالغة فيما هو فقهى، والفقهاء أنفسهم