يسبق الفعل من عقد العزم على أدائه. . وبهذا يتضح أن الشريعة محكمة ظاهرة، وأن المحكمة الباطنة هى محكمة الصوفية.
وكان الخير أن يكمل البيان فى المادة، بما يناسب أهمية هذا النزاع بين الصوفية والفقهاء وأن أثره قد امتد إلى الحياة الإسلامية السياسية والاجتماعية، والعملية، ومسّ العقائد، فى شهادة الوحدانية نفسها، وفى الرسول، والأنبياء، عليهم السلام، وفى الملائكة؛ وتناول الثواب والعقاب والجنة والنار، كما مس التشريع من حيث طريقة الفهم لمصادره العليا، من قرآن وحديث؛ وقياس، وإجماع، وعبادات، وأحكام؛ كما عرض للسلوك الخلقى والحكم عليه. . وامتد إلى مسألة المعرفة العامة نفسها، فكان من بعض مظاهر ذلك النزاع الكبير بين الفقهاء والصوفية، تلك القضية التى وردت مجملة قاصرة فى المادة، وهى: كفاية الفقه لنجاة المسلم، وعدم كفايته. . وقد كان هذا النزاع الكبير بين الفقهاء والصوفية، وأخذ الأولين بالشريعة، وأخذ الآخرين بالحقيقة، موضعا لقول أوفى من ذلك وأكمل.
ولا نجد الفرصة هنا لتفصيل شئ من ذلك. . ولعل من خير المراجع العربية فى هذا الموضوع رسالة عن هذا النزاع لولدنا الفاضل الدكتور عبد المحسن الحسينى، كتبها لنيل درجه الماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة ١٩٤١؛ وفى الرجوع إليها غناء وكفاية، لتصوير سعة هذا النزاع وعمقه.
* * *
ولا نترك القول عن الشريعة والحقيقة قبل الإشارة إلى المفارقة المباغتة، فى انتقال المادة إلى إجمال هذه عبارته: . . و"بالجملة فإن الشريعة هى العنصر المميز للتفكير الإسلامى، وهى لب الإسلام نفسه، وهى إلى جانب ذلك نوع خاص من القانون المقدس"! ! فإن هذا القول عن الشريعة ليس جملة ما يقال عن الاختلاف بينها وبين الحقيقة، ذلك الاختلاف العميق المدى، على نحو ما بيناه، وأشارت المادة نفسها إلى طرف منه.