أما ما يحكى من أمر سيدنا إبراهيم عليه السلام وهلاك قريتى سدوم. وعمورة فنحن نجد فى التوراة أنه بعد أن عرف إبراهيم من الملائكة الذين مروا به ان إرادة اللَّه قد اقتضت إهلاك أهل القريتين وأن الملائكة كانوا فى طريقهم إلى إهلاك أولئك القوم -نجد إبراهيم يسأل الرب كيف يهلك البار مع الأثيم، فعسى أن يكون بين أهل ذلك المكان خمسون بارًا فيعد الرب أن يصفح عن المدينة من أجل خمسين بارًا إن كانوا فيها، ثم لا يزال إبراهيم يكلم الرب حتى يعده بأن يعفو عن المدينة حتى لو نقص عدد من فيها من الأبرار إلى عشرة. ويلى ذلك حكاية ذهاب الملائكة إلى مدينة لوط وإخراجه منها هو وامراته وابنتيه ثم قلبهم المدينة وتدميرها. فأين الشفاعة؟ نحن لا نجدها لا باللفظ ولا بالمعنى، اللهم إلا فكرة عدم إهلاك أهل المدينة من أجل أفراد أبرار فيها، فالمقصود هو عدم إهلاك الأبرار لا الإبقاء على المفسدين الأشرار، والدليل على هذا أن اللَّه دمر المدينة على أهلها بعد خروج لوط. فإبراهيم لم يطلب من اللَّه مجرد العفو عن مستحقى العقاب وإنما كان يستفسر عن هذا الإهلاك الشامل وهو لم يكن يعلم أن المدينة كانت قد خلت من الأبرار. وفى هذا الباب ليس أصدق من وصف القرآن الكريم للموقف، فهو يصف كلام إبراهيم بأنه "جدال" دعاه إليه ما كان عنده من حلم ورقة قلب (سورة هود الآيتان ٧٤ و ٧٥). إن فكرة الشفاعة فى النصوص التى يشير إليها كاتب المقال غير واضحة وضوح فكرة الشفاعة الإسلامية التى قدمنا بيانها والتى تقترن خصوصا بالموقف فى اليوم الآخر، وهذا موقف خاص لم يذكر كاتب المادة مثيلا له. (المترجم)