ينته إلى نتيجة تؤيده، ذلك أن عقل الشهرستانى فى جوهره عقل فلسفى لا يكاد يتعدى هذه الصفة، فهو لا يعنى إلا بالأفكار، ولا يسوق من التفاصيل الخاصة بأخبار الأعيان إلا القليل، ولا يذكر شيئا تقريبا عن عناوين الكتب. أما التقويم والتواريخ فقليلة عنده، وهو فى تحليل المذاهب والنحل نافذ البصيرة، وتتسم أحكامه فى جملتها بالنزاهة الشديدة والبعد عن التحيز. وقد برئ من تلك الصفة المشهودة التى تنزع إلى اتخاذ موقف الدفاع، وهى الصفة التى لابد أن كتاب الأشعرى المفقود فى النحل مثلا كان يتسم بها.
وأهم أجزاء كتاب الشهرستانى هى التى تتناول المعتزلة، والشيعة، والثانوية والصابئة، والشهرستانى هو والإيجى من أهم المصادر التى نرجع إليها عن المعتزلة، أولئك الفقهاء الذين لا يتركون شاردة ولا واردة من مسائل الفقه إلا تناولوها، والفلاسفة المتوقدى الذهن، أجل أولئك الفقهاء والفلاسفة الذين لم تصل كتبهم إلينا. ولهذا السبب نفسه كانت مقالته عن الأشعرى ومذهبه التى حددت آراء اهل السنّة فى الإسلام ذات شأن؛ وكذلك كانت مقالاته عن الشيعة والخوارج والمرجئة، الذين انشعبوا فرقا متعددة سياسية الطابع اختلفت فى نظرية الإمامة، عظيمة الأهمية. ولكن الشهرستانى جنح إلى الإيجاز فى حديثه عن الإسماعيلية والباطنية، ويصدق هذا أيضا على حديثه عن اليهود، أما النصارى فقد كان يعرف من مذاهبهم فرقا ثلاثا كبرى هى الملكانية والنساطرة واليعاقبة. وهو يقابل بين القديس بولس والقديس بطرس (سمعان الصفا) قائلا إن بولس قد جاء لينقض مادبر بطرس ومزج تعاليم المسيح بالآراء الفلسفية. وكان لا يعلم إلا القليل عن أناجيل النصارى، ولكنه لا يشتد فى نقدها اشتداد ابن حزم.
ولا شك أن إشاراته إلى الاثنينية والمانوية وعبادة الأجداد ومزدك وبرديصيان ومرقيون عظيمة القيمة؛ وللتقابل بين النور والظلمة فيها شأن