حفيدا (ابن بنت) للشيخ الطوسى الأكبر، وهو محمد بن أحمد ابن إدريس الحلى العجلى الذى بدا له أن الاجتهاد سينقلب إلى أحكام تستند إلى الهوى. وحتى فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى)، جاءت نكسة من الجانب المضاد، وذلك على يد الملا محمد أمين الإسترآباذى المتوفى سنة ١٠٣٣ هـ (١٦٢٣ - ١٦٢٤ م). والذى نشب حوله نزاع كبير لا يزال قائما إلى اليوم. وهو لما كان، فيما عدا القرآن، لا يقول بأصل للشريعة سوى السنة الشيعية، بالرغم من كثرة اشتغاله بشروح "الكتب الأربعة"، فإنه يسمى هو وكل من اتبعه "إخباريين"، وذلك فى مقابل "الأصوليين" الذين يميلون إلى الاجتهاد. وكان فى محاربته للاجتهاد شديدا جدا، وبعض محاربته له صدر عنه وهو فى مكة. وهو لا يعترف بأن للإجماع عند الشيعة من القيمة أكثر من إجماع اليهود أو النصارى أو الفلاسفة. لكن ظهور الإسترآباذى لم يكن أقل بعثا للحياة فى المناقشات حول القياس والاستحسان والاستصحاب، وحول إمكان الحكم الشرعى على أساس أحاديث الآحاد، مما كان هجوم ابن حنبل أو داود الظاهرى عند أهل السنة من قبل. على أن مادة الأصول المتنازع فيها عند الشيعة، قد تقدم عندهم على ما عداها تمشيا مع مذهبهم. وهذا هو شأن ما دعا إليه الإستراباذى من "تقليد الميت"، فهو الخضوع لما قرره الأئمة ودُوّن فى السنة.
ولم تزل فكرة آلام الشهداء دائما فكرة حية عند الشيعة. وعلى هذا ينال الشرف الخاص من بين علماء الشيعة الذين لا يحصى عددهم من يجمع إلى الاشتهار بالعلم والتصنيف الاشتهار بالاستشهاد. وقد اشتهر عندهم بخاصة أربعة شهداء؛ الأول هو محمد ابن مكى العاملى الجزينى، مؤلف كتاب "اللمع الدمشقية" فى الفقه. وقد خانه قوم انشقوا عليه فَحُبس فى دمشق وقُتل بالسيف بناء على فتوى من القاضى الشافعى وأجلس على الخازوق وأحرق بناء على فتوى القاضى المالكى خاصة، وذلك سنة ٧٨٦ هـ (١٣٨٤ م) فى قول معظم المصادر.