للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخروج، ومنهم كثَيِّر عزَّة وفى ذلك يقول:

ألا إن الأئمة من قريش ... ولاةَ الحق أَرْبَعَةٌ سَوَاء

عَلىٌّ والثلاثة من بَنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبْطٌ سبطُ إيمان وبرّ ... وسبطّ غَيتْه كَرْبِلَاء

وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقودَ الخيلَ يقدمُها اللواء

تَغَيَّبَ لا يرى فيهم زمانًا ... بِرَضْوَى عنده عسل وماء

وكان السيِّد الحمْيرى الشاعر الأموى المشهور يعتقد كذلك أن محمد ابن الحنفية لم يمت وأنه فى جبل رضوى، بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نَضَّاخَتَان تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة فيملأ العالم عدلًا كما ملئ جورًا؛ ولهم فى ذلك آراء يطول شرحها. وأساس هذه العقيدة ما رأينا قبل من قول ابن سبأ بالرجعة ونقلها عن اليهودية، وأن الشيعيين فشلوا فى أول أمرهم فى تكوين مملكة ظاهرية على وجه الأرض، وعُذبوا وشردوا كل مشرَّد، فخلقوا لهم أملًا من الإمام المنتظر، والمهدى، ونحو ذلك.

وقد اتفقت تعاليم الخوارج والشيعة على أن خلفاء بنى أمية مغتصبون ظالمون، فاشتركوا فى مناهضتهم، ولكن الخوارج كانوا ظاهرين فى حروبهم، غلبت عليهم الطبيعة البدوية فى الصراحة، فأكثرهم لا يقول بالتقية؛ أما الشيعة فكانوا يحاربون جهرًا إذا أمكن الجهر، فإذا لم يستطيعوا فسرا، وقال أكثرهم بالتقية (١) فكانوا بهذا أشد على بنى أمية، وهم أدعى إلى الحذر منهم، فبثوا العيون والأرصاد على الشيعة. واضطهدوهم اضهادًا شنيعًا، فدسوا للحسن حتى طعن بخنجر فى


(١) يراد بالتقية المداراة، كأن يحافظ الشخص على نفسه أو عرضه أو ماله بالتظاهر بعقيدة أو عمل لا يعتقد بصحته، فمن كان على دين أو مذهب ثم لم يستطع أن يظهر دينه أو مذهبه فيتظاهر بغيره فذلك تقية؛ وعد قوم منها مداراة الكفار والظلمة والتبسم فى وجوههم ونحو ذلك. وقد اختلف فيها الشيعة والخوارج وأهل السنة، فأكثر الشيعة يقول بها بل منهم من قال: يجب إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وحملوا بيعة على لأبى بكر وعمر وعثمان على التقية، وكان كثير من الشيعة يكتمون تشيعهم تقية ويعملون سرًا؛ وأما أكثر الخوارج فقالوا: إن التقية لا تجوز ولا قيمة للنفس والعرض والمال بجانب الدين، بل منهم من كان يرى أنه لا يصح قطع الصلاة إذا جاء سارق ليسرق متاعه وهو يصلى؛ أما أهل السنة فتوسطوا وقالوا: إن من خاف على نفسه أو ماله لعقيدته وجب أن يهاجر من بلده، فإن لم يستطع أظهر التقية بقدر الضرورة ووجب عليه أن يسعى فى الخروج بدينه. . . الخ.