للصبر (٥) أقسام الصبر بحسب اختلاف القوة والضعف (٦) نطاق الحاجة إلى الصبر وأن العبد لا يستغنى عنه فى حال من الأحوال (٧) دواء الصبر وما يستعان به عليه. وهذا التقسيم يكاد يكون هو التقسيم الذى اتبعه ابن العبرى فى: الأخلاق لماسايبرانوطا (Bar Hebraeeus' Book of the Dove: A.J.Wensiuck، ليدن ١٩١٩ م، ص ١١٧ - ١١٩).
وحسبنا أن نذكر من هذه الأقسام ما يلى:
الصبر مقام كسائر مقامات الدين ينتظم من ثلاثة أمور، معارف وأحوال وأعمال؛ فالمعارف كالأشجار، والأحوال كالأغصان، والأعمال كالثمار.
والصبر خاصية الإنسان من دون الملائكة والبهائم، وذلك أن البهائم قد سلطت عليها الشهوات وصارت مسخرة لها؛ وأما الملائكة فقد جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية، ولم تسلط عليهم شهوة صارفة عنها، ولذلك فهم ليسوا فى حاجة إلى الصبر للتغلب على الشهوة. أما الإنسان فعلى خلاف ذلك، لأنه يتصارع فى قلبه باعثان: باعث الهوى وباعث الدين، ويثير الأول الشيطان، ويثير الثانى الملائكة. ومعنى الصبر الاستمساك بباعث الدين ومقاومة باعث الهوى.
والصبر ضربان، أحدهما ضرب بدنى كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليها، وهو إما بالفعل كتعاطى الأعمال الشاقة، وإما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم، وذلك محمود؛ والآخر وهو الصبر النفسى عن مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، ثم هذا الضرب يختلف باختلاف الصبر على الشهوات ومقتضيات الهوى، فيسمى العفة، وضبط النفس، والشجاعة، والحلم وسعة الصدر، وكتمان السر، والزهد، والقناعة. ونستطيع أن نتبين من هذه السلسلة الواسعة من المعانى السبب فى أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عندما سئل فى ذلك قال: "الإيمان صبر". وهذا الضرب الثانى من الصبر محمود تام.