للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفى المواضع التى ترد فيها كلمة صدقة فى القرآن -عدا الموضعين اللذين تقدمت الإشارة إليهما- فإنها فيما يظهر تستعمل فى هذا المعنى أيضًا: يجوز إعطاء الصدقة علانية (سورة البقرة، الآية ٢٧٤) بشرط ألا يكون ذلك رياء (سورة البقرة، الآية ٢٦٤)، لكن إعطاء الصدقة سرًا أفضل، والصدقة تجلب من الفائدة لصاحبها أكثر مما يجلبه الربا (سورة البقرة، الآية ٢٧٦) (١) لكن يجب أن تكون الصدقة ابتغاء مرضاة اللَّه وتثبيتًا من النفس المؤمنة (سورة البقرة، الآية ٢٦٥)، ولا يجوز السخرية بالذين يتطوعون فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم (سورة التوبة، الآية ٧٩)؛ ومن يأمر بصدقة فله من اللَّه أجر عظيم (سورة النساء، الآية ١١٤). وإذا أراد أحد أن يناجى الرسول عليه الصلاة والسلام فليقدم بين يدى نجواه صدقة يترك له تحديد مقدارها لكن ذلك يتسامح فيه إذا كان أصحاب النجوى قد أدوا ما عليهم من زكاة (سورة المجادلة، الآية ١٢ وما بعدها) ويجوز أيضًا إعطاء الصدقة بدلا من واجبات أخرى مثل حلق الرأس بعد الحج (سورة البقرة، الآية ١٩٦).

وهذه الآيات من القرآن الكريم هى بطبيعة الحال أساس للكثير مما نجده عند الكتاب المتأخرين. فمالك بن أنس كثيرًا ما يذكر فى كتاب الزكاة من موطئه كتابا لعمر بن الخطاب خاصا بالصدقة، لكن هذا الكتاب لا يتناول للأسف إلا الصدقة، بمعنى الزكاة ومالك نفسه يتكلم عن الصدقة بمعناها اللغوى فى الفقرات الأخيرة من كتابه فى مقام الكلام عن أشياء كثيرة متنوعة. وهو لا يستعمل أية تسمية خاصة مثل عبارة "صدقة التطوع" وهو تحت عنوان "الترغيب فى الصدقة" يذكر حديثا للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من تصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل اللَّه إلا طيبًا، كان إنما يضعها فى كف الرحمن، يربيها كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل".

وعن أنس بن مالك أن أبا طلحة كان


(١) يشير كاتب المقال إلى آية {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وهى كما تقرأ- تفيد محق الربا، ولا أنه يجلب فائدة أقل من الصدقة، ويقابل محق الربا إرباء الصدقة، فعبارة الكاتب غير سديدة.