للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يتطلبون حضور القلب فى التكبير فحسب؛ على أن الفقهاء المتورعين وعلماء الآخرة يشترطون حضور القلب فى الصلاة كلها، وما أقل من يبلغ هذا المقام من الناس.

والصلاة المثلى هى صلاة "حاتم الأصم" الذى قال: إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذى أريد فيه الصلاة، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحى، ثم أقوم إلى صلاتى وأجعل الكعبة بين حاجبَّى، والصراط تحت قدمى، والجنة عن يمينى، والنار عن شمالى، وملك الموت ورائى، أظنها آخر صلاتى، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشع، وأقعد على الورك اليسرى، وأفرش ظهر قدمها، وانصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص؛ ثم لا أدرى أقُبِلتْ منى أم لا (ص ١٧٩, س ٧ وما بعده).

ويبسط الغزالى رأيه الأخلاقى فى العبارة التالية: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللَّه إلا بعدًا".

وفى الفصل الذى كتبه عن "بيان الدواء النافع فى حضور القلب" جعل الخواطر الواردة الشاغلة هى العقبات الكبرى التى تصرف الانتباه عن الصلاة، فهذه الآفات يمكن التغلب عليها بمحاربة أسبابها، وهى على نوعين، ظاهرة وباطنة، فالأسباب الظاهرة لتشتيت الانتباه (الغفلة وهى "فهيا" عند متصوفة السريان) مصدرها أعضاء الحواس، وعلى المرء أن يمنعها عن التوزع، ولذلك فإن "المتعبدين" يؤدون الصلاة فى صومعة مظلمة تتسع للسجود فحسب. وقيل إن ابن عمر لم يسمح بوجود شئ ما فى صومعته. أما الأسباب الباطنة للتوزع فتحدث أثرًا أقوى إذ تمتد جذورها إلى الهموم والأفكار والشواغل. ولكن الرغبات لها أقوى الأثر، فهذه يجب أن تحارب بالتفكر فى عالم الآخرة. وعند نداء الأذان يجب أن يستحضر المرء بقلبه قوله النداء يوم القيامة، وستر العورة معناه الاستقصاء عن العورات الباطنة.

والغرض الأسمى من الصلاة هو الفناء الكلى فى اللَّه بإذلال النفس. وقد