على القرآن لا يسلم له لأنا نجد من تلك الآثار الأدبية السابقة على القرآن مثل قول أعشى قيس:
فما أيبلى على هيكل ... بناه وصلب فيه وصار
يراوح من صلواته لمليك ... طورًا سجودًا وطورًا جوار
(الديوان ص ٤٠, ٤١ ط أوروبا)
على أنا لا نغفل ما فى هذا المنطق اللغوى والأدبى من دخل؛ وهو أن ما وصلنا من الآثار الأدبية السابقة على القرآن لا يمثل الحياة الأدبية العربية قبل الإسلام تمام التمثيل؛ وبذلك لا يمثل الحياة الاجتماعية لهذه الفترة أصدق التمثيل؛ ونقص ما وصلنا هو ما يقرره قول القدماء، منذ عصور مبكرة؛ فى عبارة "أبى عمرو بن العلاء" المرددة: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير" إلى آخر ما يسوقه من أدلة وشواهد على ذهاب العلم وسقوطه - ص ١٠ من طبقات الشعراء لابن سلام، ط ليدن.
وكذلك يقرر المنهج الحديث نقص ما وصلنا عن الجاهلية بما يتطلع إليه من الحفر والتنقيب فى الجزيرة العربية، والتتبع العملى لآثار الحياة فيها قديما وحديثا.
وكل ذلك يعرفه "فنسنك" لا محالة، وينبغى أن يقدر مع ذلك أن ليس من الصواب فى شئ أن يستقرئ الآثار الأدبية الباقية التى وصلتنا عما قبل الإسلام ليخرج بنتيجة لهذا الاستقراء يقرر على أساسها عدم وجود شئ لأنه لم يجد له فيما بقى صدى للحياة اللغوية أو الأدبية فى العصر الجاهلى، فينفى وجود شئ دينى أو غيره لأنه لا صدى له فيما بقى من الأدب.
وهذا إن سلم له الاستقراء للأقل الذى وصل من الآثار الأدبية قبل الإسلام فكيف وهو لم يسلم؟ وقد ورد لفظ "الصلاة" فيما ورد من جمعها، فى قول الشاعر السابق، وهو كاف فى رد الدعوى المتوسعة، وقد يسعف البحث بغيره يزيد بطلان هذا البدوّ الذى لاح لفنسنك. .
وبهذا وهى الأساس الذى أراد الكاتب وضعه ليبنى عليه ما بعده.