جاورها برفق وحكمة. وكان يعلى بن منية الذى أقامه عمر بن الخطاب خليفة للمهاجر لا يزال واليا على صنعاء عندما استخلف على بن أبى طالب. ولكن عليا عزله وولى مكانه عبيد اللَّه ابن عباس. ذلك أن طلحة فى رواية اليعقوبى على الأقل (جـ ٢، ص ٢١٨ وما بعدها) رفض أن ينقل إلى هذا المنصب المحلى ألا وهو الولاية على صنعاء، ولكنه استولى هو والزبير على جميع خراج اليمن، وكان يعلى قد حمله من صنعاء إلى مكة. وطرد عبيد اللَّه أو خليفته من صنعاء على يد بسر بن أبى أرطاة بأمر من الخليفة معاوية، حدث ذلك كما جاء فى بعض الروايات عام ٤٠ هـ (٦٦٠ م) أى قبل مقتل على.
وثمة أمثال من قبيل "أبعد من صنعاء" أو "واللَّه لئن بقيت ليأتين الراعى بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه"(الطبرى، جـ ١، ص ٢٧٥٢؛ جـ ٣، ص ٢٤٨٢)؛ فلما انتقل مركز الإسلام إلى الشام ثم إلى العراق ظهرت اليمن العليا للناظر أكثر من ذلك بعدا، وغدا تاريخها متمشيا مع هذه النظرة.
لقد كانت قوى ثلاث تعمل على مناهضة الخلافة وتتقاتل فيما بينها أو يساند بعضها بعضا أحيانا: الأمراء المحليون، والولاة الطامحون، وزعماء الفرق الذين أخذوا يدعون إلى مذاهبهم بعيدا عن قصبة الخلافة، واجتهدوا فى تطبيقها بتأسيس الولايات، بل إن إمام الزنادقة عبد اللَّه بن سبأ يوصف بأنه من رجالات اليمن. والظاهر أن الأمويين كانوا قابضين على أزمة الأمور فى صنعاء، دنان كان عدم الإشارة إلى هذه المدينة القاصية لا ينهض دليلًا على استتباب السلام فيها، فإن القائد ابن عطية قد استطاع فى عام ١٣٠ هـ (٧٤٧ - ٧٤٨ م)، عندما أخذت الخاوفة الأموية فى الاضمحلال، أن يبعث من صنعاء إلى مروان الثانى برأس عبد اللَّه ابن حمزة الذى نصب نفسه هناك خليفة من قبل الخوارج. ولم تلبث الأمور أن تفاقمت فى عهد العباسيين، فقد خرجت هذه المدينة عن ولائها للهادى. وفى عهد هارون الرشيد لم