للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشهر وأوسطه وآخره، وهو يتكلم عن فضل الصوم فى الأشهر الحرم: المحرم ورجب وذى الحجة وذى القعدة. وأهم من ذلك ما يقوله عن "صوم الدهر"، وكان السالكون -كما يقول- يزاولونه على أنحاء مختلفة (٨٣) (كما كان يفعل الزهاد فى أول الإسلام). والغزالى يرى فى الجملة أن صوم الدهر مكروه لأن الإفطار فى بعض أيام السنة ليس واجبا وحسب، بل هو أيضا اتباع للسنة بوجه عام (٨٤) ولا يصح إلا فى أحوال استثنائية (٨٥) اتباع ما فعله الصحابة والتابعون بحسب ما يُروى (من الأحاديث فى صوم الدهر: البخارى: كتاب الصوم، باب ٥٩؛ مسلم: كتاب الصيام، حديث ١٨ وما بعده؛ لكن انظر أحمد بن حنبل، جـ ٤، ص ٤١٤ وقارن أيضا أحمد بن حنبل، جـ ٢، ص ٢٦٣ و ٤٣٥. . . وجـ ٢، ص ١٦٤ و ١٩٠). على أن الأفضل هو صوم نصف الدهر، صوم يوم وإفطار يوم، والغزالى يعده "أشد على النفس وأقوى فى قهرها" ويروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال: "أفضل الصوم صوم أخى داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما": ويستحب جدًا أيضا صوم يوم وإفطار يومين. والعلماء والغزالى أيضا (فى الجملة) لا يرون أن من الصواب صوم التطوع بالصيام أكثر من أربعة أيام متوالية (٨٦) -يقول الغزالى إنه إذا فهم المعنى الحقيقى للصوم فلا حاجة إلى مراعاة قواعد فى صوم التطوع (٨٧).


(٨٣) يقول الغزالى بعد تفصيله فى بيان الأيام الفاضلة لصوم القطوع: "وأما صوم الدهر فهو شامل للكل (أى لكل الأيام الفاضلة) وزيادة. وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك. . " فالمقصود هو اختلاف الآراء فيه، وليس المقصود الصوم على أنحاء مختلفة.
(٨٤) يقول كاتب المادة: بل هو مستحب، لكن سياق كلام الغزالى يدل على أن طريقة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت هى الصوم والإفطار. ويقول الغزالى أن من أسباب كراهته صوم الدهر أن: صائم الدهر يرغب عن السنة فى الإفطار.
(٨٥) يعبر الغزالى عن رأيه بقوله: "من رأى صلاح نفسه فى صوم الدهر فليفعل ذلك، فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضى اللَّه عنهم. . "
(٨٦) هذه هى ترجمة عبارة كاتب المادة ولكن كلامه غير مطابق لرأى الغزالى. فالغزالى يقول: "وقد كره العلماء أن يوالى بين الإفطار اكثر من أربعة أيام تقديرًا بيوم العيد وأيام التشريق، وذكروا أن ذلك يقسى القلب ويولد ردئ العادات ويفتح أبواب الشهوات، ولعمرى هو كذلك فى حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل فى اليوم والليلة مرتين".
(٨٧) هذا كلام مجمل وغير واضح، وخير منه ما يقوله الغزالى من أن "الكمال فى أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب، وتفريغ الهم للَّه عز وجل، والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله، فقد يقتضى حاله دوام الصوم، وقد يقتضى وإذا فهم الفطر، وقد يقتضى مزج الإفطار بالصوم. وإذا فهم المعنى وتحقق حده فى سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه، وذلك لا يوجب ترتيبًا مستمرا، ولذلك روى أنه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يصوم حتى يقال: لا يفطر ويفطر حتى يقال: لا يصوم"