فى هذا السبيل هو التاريخ والفقه وقراءة القرآن الكريم وتفسيره، ثم هو قد انصرف علاوة على ذلك إلى الشعر وفقه اللغة والنحو وعلم الأخلاق بل الرياضيات والطب. وظل عشر سنوات بعد عودته من مصر يتبع مذهب الشافعى ثم أقام مذهبا خاصًا به سمى أتباعه بالجريرية نسبة إلى أبيه. على أن هذا المذهب كان فيما يظهر يختلف عن مذهب الشافعى فى النظر أقل من اختلافه عنه فى العمل، وسرعان ما جر النسيان أذياله على مذهب الجريرية. وكان اختلافه عن الحنبلية أشد من ذلك فى الجوهر، ذلك أنه سلم بأن ابن حنبل حجة فى الحديث وليس حجة فى الفقه. ومن هنا أثار عداوة الحنابلة عليه؛ ويقال إن السر فى هذه العداوة هو إنكاره لتفسير الحنابلة للآية ٨١ من سورة الإسراء. واضطر الطبرى إلى الاعتكاف فى داره اتقاءً لغضب الغوغاء الثائرين ولم يأمن على نفسه إلا بعد أن صدر من الشرطة أمر مشدد يكفل حمايته. وحاول أعداؤه أيضًا أن يجروا عليه الأذى متوسلين بالشرع، فقد اتهموه بالميل إلى الزندقة، وكانت قولتهم هذه بعيدة عن الإنصاف.
ولم تصل إلينا آثار الطبرى كاملة بحال من الأحوال، وشاهد ذلك أن كل ما كتبه عن أصول مذهبه الجديد فى الفقه قد فقد. على أن تفسيره للقرآن الكريم المسمى "جامع البيان فى تفسير القرآن" ويقال له "التفسير" فحسب، نجا من الضياع. وقد جمع الطبرى فى هذا التفسير لأول مرة المادة الوافرة للتفاسير المأثورة، واستحدث بذلك كتابًا عمدة استقت منه التفاسير التى كتبت من بعد. ولا يزال هذا المصنف معينًا يستمد منه العلماء الغربيون المعلومات فى بحوثهم التاريخية والنقدية. وموقف الطبرى من الروايات التى جمعها تحدده فى جوهره المقاييس اللغوية سواء ما يتعلق منها بفقه اللغة أو النحو. ولكنه يعرض أيضا للأحكام العقائدية والفقهية التى يمكن استنباطها من القرآن الكريم، ثم هو يبيح لنفسه فى بعض الأحيان أن يدلى برأى يتسم بالصراحة دون أن يستند بحال على سند يقوم على النقد التاريخى.