أن صفة "العامة" هنا تقابل صفة "الخاصة" التى تدل على أن المصنع يعمل من أجل الخليفة وحده. وليس معنى هذا أن دار القاهرة قد أصبحت فى عهد الأمين منشأة خاصة بحتة، بل يمكن أن نقول إنها كانت فى الوقت نفسه منشأة حكومية تزود الأفراد بما يلزمهم علاوة على تزويد رجال البلاط بما يحتاجونه. ولا نستطيع فى أية حالة من الحالات أن نقطع على وجه اليقين برأى فى مسألة ملكية المصنع. ولا نستطيع أن نتصور -كما هو شأننا عادة حتى هذا الوقت تمشيًا مع كاراباسك Karabacek- أن الخليفة كانت له الرقابة المطلقة على هذه المصانع.
وإذا كان الأمويون والعباسيون قد عنوا عناية كبيرة بصناعة منسوجات الطراز ومراعاة الحقوق المتصلة بها، فإن أهمية هذه المنسوجات قد ازدادت فى عهد الفاطميين الزاهر، كما يتبين من رواية المقريزى عن ابن الطوير الذى كان على دراية تامة بهذا الموضوع (الخطط، جـ ١، ص ٤٦٩). فقد كان إلى جانب مصنع الدولة الشهير بالاسكندرية المسمى دار الطراز، مصنع آخر بالقاهرة يحمل الاسم نفسه، وقد أنشئ فى عهد خلفاء الخليفة العزيز باللَّه باسم الوزير أبى الفرج يعقوب بن يوسف بن كلِّس المتوفى عام ٣٨٠ هـ (٩١١ م) وكان يعرف أيضًا باسم دار الديباج، لأن الديباج كان يصنع به (المقريزى: الخطط، جـ ٢، ص ١٠٤، س ٢٥ وما بعدها). وكان على رأس الإدارة فى هذه المصانع الحكومية دائما موظف من رتبة عالية يختار من رجال الفقه أو الحرب، وكان الخليفة يخصه بالرعاية والتقدير؛ ويباشر عمله وتحت إمرته هيئة مختارة من الموظفين تنقل منتجات دور الطراز وتتخذ الوسائل اللازمة لهذا النقل. وكان هذا الموظف حين يصل إلى البلاط ومعه المنسوجات اللازمة للخليفة، ومن بينها المظلة والحلل التى تسمى "بدلة" و"بدنة" وثياب الخليفة الخاصة، يستقبل بأعلى مظاهر التشريف، ويوضع فى خدمته طوال مدة إقامته جواد من حظائر الخليفة. وكانت منازله بالمدينة تقوم فى منظرة الغزالة على شاطئ الخليج قبال