للاستيلاء على طليطلة أثر معنوى هائل بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء، كما كان السبب فى دفع المرابطين إلى غزو أسبانيا فى العام التالى.
وقد أحرز يوسف بن تاشفين أولا ثم الموحدون من بعده انتصارات شبه جزيرة أيبيريا؛ إلا أن طليطلة لم تعد ثانية إلى أيدى المسلمين؛ وظلت طوال قرن من الزمان هدفا من أهداف الجيوش الإسلامية، وحوصرت طليطلة مرتين دون طائل الأولى عند وفاة ألفونسو السادس، والثانية على يد أبى يوسف يعقوب المنصور الموحدى عام ٥٩٢ هـ (١٠٩٥ م) إبان حملته التى ردت مدن قلعة رباح Calatrava ووادى الحجارة Guadalgara ومدريد إلى حوزة المسلمين بضع سنوات وتوجت بانتصار المسلمين فى وقعة الأرك Alaracos غير أن وقعة العقاب Las Navas de Tolosa سرعان ما بددت أمل المسلمين فى استعادة طليطلة.
وانتقلت طليطلة إلى حوزة المسيحيين، واتخذها ملوك قشتالة عاصمة لمملكتهم، إلا أنها احتفظت أمدًا طويلا بطابعها الإسلامى، وظل عدد من أهلها المؤمنين يقومون بشعائر الدين الإسلامى. وأصبحت طليطلة التى كانت مدينة للمستعمرين Mozarabs فى عهدها الإسلامى مدينة للعرب المنتصرين Morescoes أمدا طويلا بعد ارتدادها للمسيحية، ولم يبق فى طليطلة إلا قليل جدا من الآثار المتخلفة من العهد الطويل التى حكمها فيه المسلمون، إذ لا يكاد يوجد بها إلابقايا من مسجد ببيت مردودم الصغير (Cristo de la Luz) وبعض أجزاء من قصر لاس تورنرياس Las Torneri (١) وباب شقرة Visagra القديم، وكلها ترجع إلى عهد ملوك الطوائف. على إنه قد عثر بالمرج القريب من المدينة على عدد كبير من الكتابات على أخر مسلمى طليطلة ومعظمها منقوش على أبدنة العواميد.
ومدينة طليطلة على الرغم من موقعها الذى يجعلها من مدن الحدود (الثغور) واحتواء عدد سكانها على نسبة كبيرة من العناصر المسيحية،
(١) كان أصل هذا القصر هو "مسجد المسلمين" ثم اتخذ مسكنا لطائفة من الرهبان النصارى الذين نذروا أنفسهم للعبادة, وكان الطعام يوضع لهم فى شباك, ومن ثم جاء هذا الاسم, لأن معنى اللفظ تورنريا بالأسبانية هو الشباك.