للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فى اليوم السابع. على أن الطواف كان أيضا موجودًا عند الفرس والهنود والبوذيين والرومان وغيرهم، ولذلك فهو يرجع إلى عصور قديمة جدًا، وكان له شأن عظيم فى الشعائر الدينية عند العرب القدماء، وترد بدل كلمة "طواف" كلمة "دوران" (من دار) المرادفة لها فى المعنى (انظر معلقة امرئ القيس، بيت ٦٣ حيث يشبه امرؤ القيس سرب نعاج بقر الوحش بعذارى يدرن فى ملاء مذيل (١) وعند عنترة ١٠٥ - ٢، كلمة دُوار بمعنى الصنم الذى يدار حوله؛ هذا إذا لم نقرأ هنا دوار بدلا من دُوار) وفى مكة كان يطاف حول الكعبة التى فيها الحجر الأسود الذى كان مقدسا منذ قديم الزمان (وهذا ما يسمى طواف البيت). وقد أخذ محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بهذه العادة القديمة لما وضع شعائر دينه وجعل الكعبة مركز هذه الشعائر (٢) فيروى ابن هشام (٨٢٠؛ الطبرى جـ ١، ص ١٦٤١) أنه لما دخل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مكة منتصرا فى العام الثامن للهجرة طاف بالبيت وهو راكب ناقته واستلم بمحجنه الركن (الركن الشرقى من الكعبة حيث يوجد الحجر الأسود). على أن ذلك كان أمرًا استثنائيا؛ وبحسب ما يؤخذ من رواية ابن هشام لم يضع الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] القواعد التى لابد من العمل بها إلا قبل وفاته بفترة قصيرة، وذلك فى "حجة الوداع". على أنه يمكن القول -على وجه اليقين- أنه كان يراعى فى ذلك شعائر قديمة مأثورة ترجع إلى إبراهيم عليه السلام (انظر ابن هشام، ص ٥١، س ٢٠) بحيث نستطيع أن نستنتج من ممارسة المسلمين لهذه الشعيرة ما كانت عليه عادة الوثنيين (٣). وكان أحد مظاهر هذه العادة أن الطواف كان يجب أن يكون


(١) فعن لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار فى ملاء مذيل
(٢) إن أكثر مراسم الحج ترجع إلى دين إبراهيم عليه السلام، أو هى تدور حول ذكرى إبراهيم وأسرته التى أسكنها فى الوادى الذى بنى فيه البيت الحرام والتى هى نموذج الأسرة الكاملة. والإسلام جاء يبنى على دين إبراهيم، وعلى هذا لا يكون الطواف الإسلامى مأخوذا عن وثنية قديمة. (المترجم)
(٣) إذا كان كاتب المادة يشير إلى ما جاء عن ابن هشام فى الموضع الذى يعينه، وهو أن الطواف كان على عهد إبراهيم عليه السلام وأن أبناء إسماعيل كانوا يقومون بالطواف، فإنه لايصح القول بوجود وثنية قديمة فى مكة، لأن إبراهيم عليه السلام بنى هنا ييتا لعباده الإله الحق، وأسس هنا أيضا جماعة موحدة بعد أن لم يكن قبل ذلك بيت عبادة ولا حتى سكان يعمرون المكان. (المترجم)