(٢) ثم دخلت مناسك الحج تحريفات يرجع معظمها إلى الغلو والإسراف، ومن أمثلتها أنهم -بعد انحرافهم- كانوا لا يطوفون حول البيت فى ثياب عصوا اللَّه فيها ولو أدى الأمر بأحدهم إلى أن يطوف حول البيت وهو عريان، كذلك كانت قريش لا تدفع إلى عرفات مكتفية بالوقوف عند المشعر الحرام، لأنه من الحرم وعرفات من الحل، فساوى اللَّه بينهم جميعا فى الموقف تحقيقا لأصل المساواة وفى هذا يقول تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}(سورة البقرة، الآية ١٩٩)
(٣) فأمر الإسلام كان إعادة الشعائر إلى ما كانت عليه على عهد إبراهيم، ويوضح هذا حديث الرسول عن يزيد بن شيبان يوم عرفة:"كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم"(المغنى لابن قدامة ٣، ٤١٠ ط المنار بالقاهرة)، وإذا كانت فى أمر خاص فى كيفية أداء المنسك، فقد ارتبط هذا الأمر بعبرته؛ والنموذج الفرد الذى نجده لذلك هو الَرَمل -أى الإسراع- فى طواف الأشواط الثلاثة الأولى -وهذا للقادر، فإن لم يقدر طاف الأشواط السبعة ماشيا دون رمل، وأجزأ الطواف حتى لو كان محمولا. وسبب الرمل يرجع إلى إظهار القوة والجلد، كان هذا من سنة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى عمرة القضاء قبل فتح مكة، وسنته فى حجة الوداع بعد الفتح مما يبين أنها سنة ثابتة (نفس المرجع ص ٢٧٣).
(٤) أما عن عدد الأطوفة المشروعة فيذكر ابن قدامة (المغنى ٣، ٤٤٤) أنها ثلاثة: طواف الزيارة أو الإفاضة بعد الوقوف بعرفات وهو ركن الحج لا يتم إلا به بغير خلاف؛ وطواف القدوم، وهو سنة لا شئ على تاركه، وطواف الوداع، وهو واجب ينوب عنه الدم (أى الفدية) إذا تركه الحاج؛ بهذا قال أبو حنيفة والثورى على خلاف جزئى مع مالك والشافعى فى طوافىّ الوداع والقدوم دون الزيارة. وما زاد على هذه الأطوفة فهو نفل. وبهذا يبدو خطأ ما نقله الكاتب عن بوركارت فى رحلته